قسوة المجتمع في عيون دعاء

إب7برس Ibb7press
أحلام المخلافي

دعـاء فتاة في الـ 24 من عمرها طالبة في الصف الثاني ثانوي تأخرت في دراستها لظروف عِدة، وخاضت حياة مريرة وأغلب محطات عمرها اوجاع ومأسي، إلا أنها في نهاية النفق عبرت واجتازت الظلام واكملت مشوارها رغم كل الصعوبات والاوجاع.

تقول دعاء : “أتذكر جيدًا ذاك اليوم حينما ضرب والدي والدتي حتى سال دمها ثم هجم بعدها على أحلام وسارة وأنا مختبئة خلف كرتون الملابس، ” شاهدت على وجهي علامة تعجب حينما قالت كرتون الملابس ” فـ أكملت لم نكن نمتلك دولاب ملابس وإنما كارتون كبير أخذته والدي من التاجر الذي يملك محل تجارة بجانب منزلنا’.

لتكمل حديثها، قام بضرب أحلام حتى فقدت وعيها أما سارة كانت تصرخ بكامل قوتها حتى اجتمعوا أهل الحي وكسرو الباب الخشبي المهترئ ليكبلوا والدي ويبكي أخي الذي لازال رضيعًا على حاله وحالنا.

كان والد دعاء يومها يريد مبلغ مالي من زوجته، لم تكن تمتلك المبلغ الذي طلبه فقرر تزويج ابنتها أحلام على صديق له مسن غني سيدفع مالا كثيرا، تشاجرا حينها وحدث ما حدث ..

أكملت وهي سارحة في حياة لا حدود لها قائلة: بعدها اكتشفت والدتي بأنها حامل، هذا غير أن والدي مُنع من دخول المنزل الذي نسكنه، فتكفل أهل الخير بدفع الإيجار شهريًا، وقامت والدتي بالعمل في البيوت بالتنظيف والطبخ أحيانًا، وما إن وهنت ووهن جسدها مع الحمل قامت بهذا العمل أختي سارة رغم صغر سنها ولكنها كانت قوية عكس والدتي وأختي أحلام التي تفرغت لرعاية والدتي.

مرت الأيام فخُطبت أحلام ويليها سارة، عملت وعملن الكثير من أجلي ومن أجل أخي وأختي الصغرى منار، تزوجتا فعاد الحمل ثقيلًا على والدتي فكيف لها أن تعمل وترعانا وتهتم بالمنزل، حينها بدأت وأخي بجمع علب البيبسي والمياه وبيعها ومن ثم عملنا ببيع الفاين ” المناديل الورقية” في الأسواق وعلى الأرصفة المحاذية للسيارات حتى كبر أخي وأشتد عزمه فقرر هو العمل بدل عني.

كانت في تلك الفترة قد بدأت في دراستها وحاولت بشتى الطرق أن تحصل على أبسط الإمكانيات لتتعلم، حسب قولها، وبعد أن أشتد عود أخيها وبدأ يعمل هنا وهناك شرعت الحياة في توزيع النظر اليسير من بهجتها في أوساط العائلة الصغيرة.

تستطرد دعاء، لكن الراحة لم تكتب لنا، فما إن شعرنا بأن الحياة بدأت تزهو في محيطنا حتى أدركنا أننا في نهايتها، حيث مرضت والدتي وأغمي عليها، فقمنا بإسعافها وفحصها، ومن خلال الفحص والمعاينة تبين أن الوالدة تعاني من سرطان خبيث في الرحم وفي مراحله الأخيرة، ويومها لم تستغرب بل قالت كنتُ أعرف ذلك..! هذا ما قالته والدتي وصمتت طويلا.

كانت الأم تعاني طيلة السنوات الماضية من تقلصات ونزول دم مفاجئ وأوجاع لا ترحم، لكنها أخفت الأمر عن أبنائها حتى لا تحملهم فوق طاقتهم، وها هم يعاتبونها لشدة حبها لهم وخوفها عليهم.

تواصل” دعاء” بهدوء، عدنا للمنزل وكأن هنالك جنازة، أو لعلنا كنا نجهز لها، مرت الأيام وأشتد مرض والدتي أذكر تلك الليلة جيدًا، كنتُ متعبة قليلًا، فبقت مع والدتي أختي الكبيرة فهي كانت في زيارتنا، أما سارة فهي متزوجة في العاصمة صنعاء، ذهبتُ لأنام، فأنا أدرس وأعمل سكرتارية في إحدى المشاريع النسائية مؤخرًا.

لقد كانت تدرس في الصباح، أما المساء تعمل بأجر بسيط من أجل تغطية مصاريف مدرستها، فيما يتكفل أخوها بمصاريف المنزل وعلاج والدتهم.

وتكمل، نادتني أمي يومها ذهبت مستأة فقلت : “ما لش يمة والله اني مقتولة قتل شرقدلي ساعة خير”، ابتسمت ودمعها يهطل وقالت اتصلي بسارة، حدثتها قليلًا وقالت لأحلام ارتاحي قليلا وانت  اقتربي مني وساعديني في الذهاب لدورة المياه، أخذتها أنا وأحلام وقالت لي اجلسي خلف ظهر، جلست ولم تمر حتى 10 دقائق حتى فارقت الحياة.

انهمرت دموعها حينها وأجهشت بالبكاء ثم أكملت حديثها بتقطع واصفة حالها وحال أخواتها وأخيها بعد أن خيم الحزن عليهم، وتذكرت ضياع والدها الذي لا يعرفون أين اختفى، وكذلك سفر أخوها للغربة وأخواتها كل واحدة عادت إلى منزل زوجها وبقت هي واختها الصغرى وحيدتان إلا من ذكريات مؤلمة.

بعد أن عاد كل واحد فيهم لحياته، شعرنا أنا ومنار أننا فقط من فقدنا والدتنا، نعم احسسنا بأننا أيتام، عقب ذلك بعدة أشهر تقدم لي أحد أصدقاء أخي، رجل تقي لطيف حسب ما قال أخي، وقال بأنه غير مسموح لنا العيش بمفردنا في بيت لا يوجد به رجل، وقد كان يكبرني بـ 15 عاما، لكني وافقت وتزوجتُ فكان رجل متقي الله بي، وبأختي الصغيرة، وربما قد تكون تلك هي الدعوة الصادقة التي كانت تدعو لي بها أمي على الدوام في أن يسخر  الله قلوب عباده لي، وها أنا قد عدت لإكمال تعلمي، وأنوي تحقيق جميع أحلامي.

وتسرد سارة آخر تفاصيل حياتها بابتسامة باهتة، عدنا لنعيش في أرض لا تريدنا، ومجتمع لم يسمح لنا بالعيش، وقد اختصرتُ لكِ القصة كثيرًا فما بي من طاقة لإعادة وجع الماضي، فلطالما أهانونا وأوجعونا وشتمونا وسبونا ويقولوا هن إلا نسوان ولكن الله سيجازي كل عبدٍ بما عمل.

وختمت حديثها قائلة :” صدقيني نحن في مجتمع إن لم يكن بجانبك رجل يسندك سيأكلونك لحم ويرموكِ عظم،  وابتسمت مودعة لي، فقد أتصل زوجها أنه في انتظارها ..