شوقٌ لذاتِ جمال..

إب7برس Ibb7press 
سليم الحجري

إنني أشتاقُ لذلك الزيِّ المدرسي القديم.. ذي “القميص” الأبيض و”البنطال” الأسود.. وحذاءٍ أسودٍ من الطراز القديم بربطةٍ طويلةٍ وأرضيةٍ خشنة.. أشتاقُ للحظة الاستيقاظ اليومية.. والاستعدادات ليومٍ دراسيٍّ جديد.. أشتاقُ لتلك الطريق التي كنا نعبرها شامخين صوب المدرسة.. حاملين على أظهرنا مستلزماتنا من الكتب والدفاتر والأقلام والألوان والكراسات.. يتخللها بعضُ ما نجده من أطعمة.. تحسباً لإملاءاتٍ طارئةٍ تقضي بها محاكمُ الجوعِ أثناء الحصص الدراسية..

أشتاقُ كثيراً.. لطابور الصباح.. وصوتِ المعلم والمربي والمدير.. الذي كان يشتد بصوتهِ علينا تارةً.. ويأتي بعصاه مسرعاً يضربُ بخفةٍ من تميلُ به الشمس خلال التمارين.. أشتاقُ لذلك الانضباط الذي كان يرسُمنا ضمن لوحةٍ قلّما نجد لها اليومَ مثيل.. أشتاقُ لحشرجةِ مُكبر الصوت.. وذلك الصدى الذي كان يصدر عنه إذا ابتعد عن منبعه الأصلي وجهازه الغريب.. أشتاقُ لقراءاتٍ كنا نُجيدها على مسرح المدرسة.. وتلك الرعشة التي كانت تُصيبنا بفعل الرُهاب المسرحي.. أشتاقُ لنداءات عَرِيفِ الطابور.. التي تقضي بالسلام الوطني.. وتلك الأهازيج الوطنية التي كانت تُصاحبنا صوبَ مقاعدنا في فصولنا الدراسية..

أشتاقُ حقاً.. لهيبةِ المعلم وهو يدخلُ علينا.. يُلقي السلام.. فنقفُ له بإجلالٍ مُرددين: “وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..” أشتاقُ لتلك الأساليب التي كان يبتكرها معلمونا.. وتلك المواقف التي كانت تُبكينا تارةً.. وتُضحِكنا تارةً أخرى.. أشتاقُ لتلك المواقف التي كنتُ أبادرُ فيها بالإجابة على أسئلةِ المعلم.. وتلك المشاركات والمداخلات التي كنت أبنيها على أساس المنطق في غالب الأحوال.. وإلى تلك الطريقة التي كنتُ أتقنها في نقل محتوى الدرس.. وتلك النباهة التي كنتُ أتمتعُ بها بالاستماع للشروحات.. وبالطبع.. أشتاق أيضاً لتلك الأسئلة التي بدت للبعض أنها غبية.. وبدت للمعلم بأنها مذهلة وخارقة.. ويا لله كم أشتاقُ لتلك الثناءات التي حصلت عليها من معلمين لا أنساها لهم ما حييت..

أشتاقُ لطريقتي في الابتعاد عن أماكنِ اللهو والمرح.. خلال فترة الراحة.. واختياري المكان الأمثل.. لتناول ما كنتُ أخفيه بين دفاتري من زاد.. أشتاقُ لذلك التعب اللامنسيّ.. الذي كنتُ أجرُّ معه نفسي جراً عائداً إلى المنزل.. بعد 5 ساعاتٍ من الانضباط وحُسن السلوك.. بل.. إنني أشتاقُ لتلك المواقف التي واجهتُ بها بعض زملائي مدافعاً عن نفسي.. فتعاركنا وأبكى بعضُنا بعضا.. ولا نشكو من شيءٍ لأحد.. أشتاقُ لتلك الهيئة والهيبة التي كانت تستقبلني بها أمي.. وقد أعدَّت لنا طعام الغداء.. ولتلك المكانة التي كنتُ أحظى بها.. في سبيل مُذاكرة دروسي.. وعمل واجباتي المنزلية.. وإلى تلك القسوة التي كانت تنال مني بها أمي.. إن أنا لم أهتم بما يجب عليَّ القيام به..

أشتاقُ للخوفِ الذي لم أشعر به.. حِيالَ الاختبارات ومواسم التحصيل والحصاد.. ولذلك الاندفاع صوب قاعة الاختبار.. أشتاقُ لذلك الرعب الذي يسبق استلام النتيجة.. رغم الثقة التي كنتُ أتمتعُ بها إزاء إجاباتي.. ولتلك اللحظات التي تسبق إذاعة اسمي في قائمة أوائل الطلبة.. وتلك اللحظة التي كنتُ أقفز فيها من على منضدة الانتظار بين الزحام.. لأصل إلى منصة التكريم.. دون انبهارٍ.. أو دهشةٍ لعدسة الكاميرا التي لم تكن حاضرة.. أشتاقُ لذلكم الحديث الذي كان يتعالى أو يهمسُ به الحاضرون: “هذا فلانٌ بن فلان.. لقد أتى بالمركز كذا.. وتفوق في كذا وكذا”..

أشتاقُ حقاً.. لمدرستي.. وأيامها.. وسنواتٍ قضيتها أشِيدُ أحلامي.. وأُدققُ رسم أخيلتي عن مستقبلٍ غير معلوم.. ويا لله كم كان ذلك مهيبا.. حين كنتُ أراني أبلغُ ما لم يبلغه السابقون قبلي.. وحين كنتُ أتخدُ من مُقدمات النوم سفراً حول الأمنيات.. فلله نحــن.. ولله ما كنا عليه.. وما صرنا إليه..!!