شاهدٌ وشهيد
قصة قصيرة

إب 7 برس Ibb7press
مروة مهدي

برفقةِ والديه ذات ضحى، قصد رامي إحدى المزارع القريبة، لحظات من سرور برحابة الكون تعيشها الأسرة على مقاعد سيارة الدفع الرباعي وهي تشقُّ طريقها ماخرةً في عباب الطريق، أمواجٌ من ضحكات، قوافلُ من نظرات تدثرها المحبة، تحديقٌ متواصل لا يمل زحمة الوجوه، وحادثُ سيرٍ خطف سعادة اللحظة، وخطف معها البعض دون انتقاء…

بخطًى سريعة، ترجّل النّاسُ سياراتهم صوب الحادث، مع كل خطوة يزداد النبض مع تفاصيل مرعبة في حضرة الحدث الجلل
– ارفعوا السيارة، وكونوا على حذر.
– ما زال أحدهم حيًّا، احملوه بسرعة.
– من يملك قماشًا لتغطية الجثتين؟
يستمر حديث الحاضرين بأصواتٍ متهدجة يغلب عليها الحزن والأسى

برهة من الوقت، كانت كافية لنقله إلى المستشفى، تهرول أسرّة الإسعاف، وبالتوازي يهرول الممرضون لإنقاذه، يتوسطهم القدر، ذاك الذي أهداه مزيدًا من العمر، وحياة رمته بالجراح

في مساءٍ شاحب، فتح عينيه ببطء، يلمح مصباحًا خافتًا ضوءه، خانته حواسه في تمييز المكان القابع فيه، يتلفت يمنةً ويسرة، ثم عاود إغماض عينيه قبل أن يرى أحدًا، يلوك بفمه حسرةَ إصابةٍ أقعدته، جروح غائرة بدأوا تعقيمها تلافيًا للروائح النتنة، ثم غادروا إلى شغلهم ليعود هو على الفور إلى وحدته تاركينه فريسة للسهاد
في لحظة كامدة استرق سمعه تمتماتٍ مجهولةَ المصدر:
– مسكينٌ هو سيفقد يده.
أخرج من صدره الآهات حممًا حممًا، همس والغصة غارقة في عمق القنوط: “ها هي سترحل كما رحلوا”…

مريضٌ، يسوقه الحنين إلى الماضي، لكن ما من سبيلٍ للحراك، أقبل الممرضون في ابتسامة لكنّ محاولاتهم باءت بالفشل الذريع فقد كان في كآبة بلغت أقصاها، استجوبهم عن والديه وكان في استجوابه مذاق الدمع وفي حلقه غصة السؤال الذي يخاف جوابه،
اكفهر المكان في أعينهم، مرت دقائق صمت طويلة مشبعة بالرهبة، تنقّلوا بين مواضع شتّى، شرعوا بانهمارهم حاملين له ألمًا جديدًا، طفق يصرخ منتحبًا:
– لماذا هما؟ لِمَ لم يأخذني عوضًا عنهما أو يأخذني معهما؟
أمطرهم بهذا الوابل من الأسئلة؛ استدرّ دمعهم تأثرًا.
ما عسى أن يقال لمثله!
جسد ليس فيه موضع شبرٍ إلا واستبد به الألم، وسم في الروح لم يشأ أن ينمحي أبقاه في حداد حتى توسد ذراعه الوحيدة عائدًا إلى الوفاة.

الرابط الدائم:  https://ibb7.org/2023/05/11/ شاهدٌ-وشهيد /