عودة المغتربين اليمنيين وتحديات الواقع الجديد
إبpress7
سماح عبدالله
بعد غربة استمرت 20سنة في المملكة العربية السعودية عاد عبد الغني إلى قريته الواقعة في محافظة إب اليمنية على غرار المئات من المغتربين العائدين مؤخراَ من المملكة نتيجة الاجراءات التي اتخذتها حكومة المملكة العربية السعودية في استبدال العمالة الخارجية بالمحلية، ونتاجًا للظروف التي يشهدها سوق العمل هناك إلى جانب التكلفة العالية المتعلقة برسوم تجديد الإقامات لأفراد العائلة.
عاد عبد الغني ومعه أفراد أسرته على وقع أزمة إنسانية وظروف اقتصادية صعبة تعيشها اليمن بسبب الحرب.
يقول عبد الغني (60عامًا من إب):”عدتُ مع عائلتي بخفي حنين، لكن عزائي الوحيد أن أرض جدي التي تبلغ 300 فدان تقريبًا، يمكنها أن تعيلنا جميعا وقد قررت البقاء في القرية وزراعة الأرض”.
- قرار العودة
تقع قرية عبد الغني في مديرية السياني التابعة للريف الجنوبي لمحافظة إب وتبعد عن مركز المدينة نحو 23 كم.
بدلاً من الانتقال إلى الريف ، اختارت زوجة عبد الغني العيش مع شقيقها في صنعاء. غير أن ابنه وابنته العازبين قررا الانتقال مع والدهم إلى القرية، في حين اختار أبناؤه المتزوجين العيش مع عائلاتهم في محافظات أخرى .
تقول لبنى عبد الغني (22 عامًا):”ماكنتُ لأترك والدي في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها العائلة” أما علي عبدالغني (18 عامًا) فيقول :”الحياة في القرية صعبة لكنها صحية ومثيرة، وأنا متحمس لحراثة الأرض مع والدي وعمي”.
- غربةٌ أخرى
وصل عبد الغني مع ابنه وابنته في 13 من أبريل 2020الفائت إلى قريته ليجد الواقع مختلفا عن تلك الصورة التي ظل يحملها في ذاكرته مدة عقدين.
يقول عبد الغني ” وجدتُ منزل أبي وجدّي قد تهدّم تمامًا وصار سكنًا للأشباح، وأنا الذي سلمتهُ -أثناء غربتي-لأحد أبناء العم الذي قال إنه سيسكنه ويعتني به، ووجدت أرضنا الواسعة مزروعة بالقات ولا أدري من الزارع”.
بدأ عبد الغني رحلة تأكيد هويته في القرية فالجيل الشاب هناك لا يعرف من هو هذا الرجل وليس أمامه سوى البحث عن كهول القرية ومسنيها الذين يمكنهم تأكيد هويته وإعطاء معلومات حول أملاك العائلة الكبيرة. ليتجه بعدها نحو عاقل القرية لبحث أمر المزارع الذي يستثمر أرضه دون إذن منه أو معرفة.
قرر عبد الغني استئجار منزل صغير مكون من غرفة ومطبخ وحمام يقيم بها مع ابنه وابنته ريثما يقوم بترميم البيت الكبير “بيت العائلة” وحتى يتمكن من متابعة البحث عن الوثائق والحجج الأصلية لإثبات ملكية تلك المساحة من الأرض التي تخصه وأسرته المتبقي منها هو وأخ أصغر له يقطن في عدن.
يقول عبدالإله حيدر (وهو شخص مسن من أبناء القرية) :”أنا أعرف عبدالغني وأبوه وجده، والأرض ملكه، والذي بسط عليها أفهمنا أنه مستأجر لها، لم ندرك أن عبدالغني غير مطلع على زراعة الأرض في غيابه إلا بعد عودته”.
في الثالث والعشرين من مايو 2020م رفض عبد الغني تسوية مالية عرضها عليه زارع الأرض مقابل التنازل عنها، والرحيل من البلدة وهو ما يرفضه عبد الغني الذي يتمسك بأحقيته وأسرته بتلك الأرض موضحا أنه سيستمر في مقاضاتهم حتى استعادتها
ويضيف: “كنا نظنّ أننا عدنا من الغربة، الى الاستقرار لكننا عدنا إلى غربة أخرى يكون فيها الإنسان غريبا بين أهله وناسه، لكن ورغم كل شيء لن أستسلم سأستعيد الارض وسيكون كل شيء على ما يرام “.
يمتلك عبد الغني الآن ما يثبت أحقيته وأسرته في الأرض ما يمنحه موقفا قويا أمام القضاء الذي تسير إجراءات التقاضي في ساحته.
بعد رفض قاطع لعبد الغني لتعويض خسارة خصمه باعتبار أن الأرض ليست له ولم يكن مخولًا باستصلاحها دون إذن أصحابها، يتدخل بعض العقال للوصول إلى حل وسط.
العاقل أحمد محمد من المساهمين في الصلح يقول:” ما جادت به الأرض طوال المدة الفائتة لأكبر تعويض عن خسارة خصم عبد الغني، وكلنا متضامنون مع عبد الغني لاستعادة أرضه”.
- من أقاضي؟
أمين ناجي خمسيني آخر عائد من الغربة كان يملك عمارتين مطلّتين على جولة القصر في منطقة الحوبان/تعز، قرر الاستقرار في موطنه بعد 20 عامًا من الغربة خارج الوطن.
وصل ناجي مطلع العام 2020 بمجرد سماعه عن جائحة (كوفيد-19)،وفضل حجر نفسه وعائلته صحيًا في قريته “ذي السفال” في ريف محافظة إب اليمنية.
يشير أمين إلى صورةٍ لعمارتيه محفوظة في هاتفه النقال قبل أن يحيلهما قصف الطيران إلى ركام خلال العام 2016:”هذا شقا عمري كله، ذهب بلا عودة، كنت أظن أني سأعود لأعيش حياة كريمة في وطني بعد عشرين عاما من الغربة”.
بدأ أمين حياته كمزارع في محمية تزرع الطماطم والخيار في قريته، وجمع ما تيسر من حليّ النساء في عائلته ليبني منزلًا يأويهم في قريتهم.
“هذا الصراع طال كل شيء، ونتائجه كارثية على الجميع، ولابد من البحث عن حل يعيد الاستقرار للبلد، لا أقول إلا حسبي الله، وسلامة الحال أفضل من سلامة المال، والحمدالله على كل حال”.
ثم يضيف ضاحكًا وسط حيرته :”من أقاضي؟.. أنا لا أملك غريمًا، الحرب هي عدوي، لتنتهي؛ كي يصلح كل شيء”.
- أخطار مستجدة
ويستمر الصراع بين مواطنين آخرين عادوا من الغربة وبين أهل البلد المستقرين في أرضهم لنيل سبل العيش مع توقف رواتب أكثر من 1.2 مليون موظف فقدوا رواتبهم منذ عام 2016 كما يشير خالد عبادي وكيل البنك المركزي اليمني.
وقد عاد أكثر من 37 ألف مهاجر إلى اليمن خلال عام 2020 وفقًا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة؛ ونتاجًا لذلك استجدَّت مشكلاتٌ ونزاعاتٌ خاصة تتعلق بملكية الأراضي والعقارات التي كانت مهجورة منذ سنوات.
واليوم يواجه ما يزيد على 800 ألف مواطن يمني بمحافظات جيزان وعسير والباحة ونجران الجنوبية السعودية خطر الترحيل في أي لحظة، عقب تسريب وثيقة مطلع أغسطس 2021 أفادت بعزم السلطات السعودية على الاستغناء عن العمالة اليمنية بالمناطق الجنوبية للمملكة خلال 4 أشهر؛ ما قد يسفر عن تداعيات خطيرة على العمالة اليمنية وأسرهم، في ظل الظروف الإنسانية القاسية التي يخلفها الصراع منذ 7 سنوات في اليمن.
وتقدّر وزارة شؤون المغتربين عدد اليمنيين المغتربين في السعودية بنحو ثلاثة ملايين نسمة، أي ما يقرب 10% من إجمالي تعداد سكان اليمن. وتشكّل العمالة اليمنية في المملكة عصب الاقتصاد اليمني خلال فترة الأزمة حيث تشير التقديرات بأن كل مغترب يعول حوالي 5 أسر في الداخل اليمني.
عادت أسرة هاشم علي نحو قريتهم في مديرية السدة بعد غربة 15 عاما، يقول هاشم خمسيني من محافظة إب:” عدت مع أسرتي المكونة من 6 أطفال وزوجة نحو القرية لنبني بما ادخرناها في الغربة منزلا في وسط الجبل بأرضنا القديمة، نتكيف مع الوضع الجديد، أبنائي خاصة أبدوا راحتهم لهواء الريف وجوه النقي رغم صعوبة الحياة إلى حد ما “.
- عقبات نفسية
يواجه بعض المهاجرين صعوباتٍ تتنوع بين الدمج، والتأقلم، وإثبات الذات، وبهذا الشأن يقول عبدالله الحاج (تاجر خمسيني من مديرية العدين) بعد هجرة دامت 32 عامًا في الكويت :”كنتُ أواجه تعليقات تقلل من شأني من قبيل(ما الذي حققته من غربتك، ماذا أعطتك الغربة، من لم يفلح ببلده لن يفلح بأخرى، مهما تكبرتم مرجعكم لأقدام بلادكم..)، ورغم اتفاقي مع معظم ما يقال إلا أن الحالة النفسية والانكسار الذي حدث في داخلي جعلني آخذ ما يقال على محمل التحدّي، فقد بدأتُ بداية متواضعة ببقالة صغيرة افتتحتها بمدينة إب، لتتوسع تجارتي وأربح الملايين بعد عامين فقط”.
ويضيف عبد الله:” الأوضاع الحالية زادت من صعوبة تأقلمي على الحياة في بلد تنعدم فيه أبسط مقومات العيش، لكنني لم أستسلم، لأن الوطن لن يتعافى إلا بنا”.
تؤكد مروى العواضي أخصائية في علم النفس أنه: “من السائد أن يتعرض المغترب لمصاعب التكيّف والتأقلم والتوافق من جديد مع الأنماط المعيشية التي قد تعود على نقيضها في الغربة، فالفجوة الثقافية قد تصيب المغترب في البداية بنوع من الإحباط، والضيق لكنها تزول بمرور الايام “.
وتسهب العواضي:” الحل بسيط وهو بأن يركز المغتربون على النقاط الإيجابية في عودتهم، فالاستقرار النفسي مع العائلة والأقربين له دفؤه الخاص، والنظر الى أنفسهم كمساهمين في تعمير الوطن حينما يكون في أمس الحاجة إليهم تعطيهم مشاعر البطولة فلن يتأثروا بالمتنمرين كثيرًا”.
- تطلعات العائدين
يعتزم المزارع أمين ناجي الكفاح من أجل عائلته، وهو يجد ذاته في الزراعة، في حين يمضي عبد الغني قدما للتوصل إلى صلح يعيد أرضه دون اللجوء للمحكمة إلا للضرورة القصوى، وقد نجح في تحقيق بعض التقدم ليبدأ حياته كمزارع بسيط يستطيع توفير قوت يومه.
ويقول التاجر عبد الله الحاج: “البدايات صعبة وأصعب منها البدء من جديد، لكننا سنتجاوز هذه العراقيل، وسنصمد، سأبدأ من جديد ولن التفت لكلام المتنمرين المحبِطين، ولابد لليل أن ينجلي “.
هاشم علي بدأ حياته مع أسرته بسلاسة ليلتحق أطفاله بمدرسة القرية مظهرين حبهم واعتزازهم ببلدتهم رغم كل الظروف التي تمر بها ،آملين بغد أفضل.
روابط المصادر
__________________________________________________________________
37 ألف مهاجر إلى اليمن خلال عام 2020 وفقًا لتقديرات المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة؛
https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%%D8AFD
توقف رواتب أكثر من 1.2 مليون موظف فقدوا رواتبهم منذ عام 2016 كما يشير إليه خالد عبادي وكيل البنك المركزي اليمني.
https://www.alyoum8.net/news/11018
يواجه ما يزيد على 800 ألف مواطن يمني بمحافظات جيزان وعسير والباحة ونجران الجنوبية السعودية خطر الترحيل في أي لحظة، عقب تسريب وثيقة مطلع أغسطس 2021
https://hayrout.com/70844/
https://saudileaks.org/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D
وتقدّر وزارة شؤون المغتربين عدد اليمنيين المغتربين في السعودية بنحو ثلاثة ملايين نسمة، أي مايقرب 10% من إجمالي تعداد سكان اليمن
https://www.trtarabi.com/issues/%D9%87%D9%84-%D8%AA%
