“الشراقة ” والزراعة في ريف إب

إب7 prees
بغداد المرادي

” الشراقة “، بضم الشين وتسكين الراء، هكذا تسمى في ريف إب، في مديرية “بعدان” على سبيل المثال، وهي عبارة عن وجبة مكونة من الملوح أو الملوج أو القمِط “نوع من أنواع الخبز اليمني ” واللبن أو الفاصوليا البلدي والبطاط والبسباس الأخضر مع الشاي بالنعناع.

بالإضافة إلى الماء المخزن في وعاء يدعى “دبة مشللة”، وهي عبارة عن حافظة بلاستيكية تغلف بما يشبه القماش لتبريد الماء، وتقديمه مع وجبة الشراقة.

تقدم وجبة الشراقة لمن يعملون في الحقول والمدرجات الزراعية منذ الصباح الباكر، وللشُراقة وقت مميز ومحدد لدى الفلاحين والمزارعين، تبدأ في حوالي الساعة العاشرة وحتى 12 ظهرا، أي ما بين فترتي الإفطار صباحاً وما بين الغداء ظهرا، حيث يجتمع كلاٌ في حقله ويأكل تلك الوجبة بعد أن يكون قد نالهم تعب الحِراثة والزراعة في الأرض أثناء المواسم السنوية للزراعة.

وأحياناً يجتمع كل من في الحقول المجاورة ويقوموا بتناول وجبة الشُراقة مع بعضهم البعض، متبادلين بذلك أطراف الحديث الشيق والممتع والنكات الساخرة.

بعد تلك الوجبة يعود كلا لحقله، ويكمل ما كان قد بدأه منذ الصباح، ويستمر في العمل مع ترديدهم للمهاجل الرنانة التي تطرب الآذن بكلماتها العميقة المعنى حتى الظهيرة ومن ثم العودة للمنازل، وعادة ما يصطحب البعض معه الأثوار التي تقوم بحراثة الأرض، أو الحمير، والأغلب يستخدم المعول أو الفأس.

تقول ” أم عمار ” أنها لا تستطع العيش دون أن تذهب للريف لمساعدة أهلها في المواسم الزراعية، وإن لم تستطع عمل شي في الأرض لمكوثها سنين طويلة في المدينة إلا أنها تعمل على إعداد وجبة الشراقة لمن يقوموا بالعمل في الحقول والذهاب بها الى مقرهم في تلك الأراضي حتى وان بعدت المسافات لابد من ايصالها في الوقت المحدد لها.. 

وتكمل “سارة” بأن الله حبا بعدان، مديريتها، بكل ما هو جميل ويسر الناظرين، فليست لديها أية مشكلة في الذهاب إلى الحقول لمساعدة والديها واخوانها في كل ما يحتاجونه أثناء المواسم الزراعية فتعمل دائماً على تلبية مطالبهم وتزويدهم بالمأكل والمشرب ومن ثم العودة للبيت وإعداد وجبة الغداء للجميع.

فيما “حنين ” تخبرنا بأن “للشراقة ” ذكريات من شأنها أن تمحو كل ذاك التعب والحزن والضيق الذي نعيشه في المدينة وخاصة مع وجود الأهل رحمهم الله، حين كان والدي يحرث الأرض ويزرعها كنت أسمع مهاجلة من على مسافة مثل “يا صباح الرضا شوقي لذاك المهلى غصن عاده طرى يشتي قرايه ومهجى”، “ياعويد الخزام كم لي مربي لك أيام .. لا سخيت اقطفك ولامعي قلب هكام”

وتكمل، أسمع ذلك فينشرح صدري ويذهب جل ما كان يؤرقني في حينها وما إن أصل بالشراقة اليه حتى يمطرني بوابل من الدعوات التي لن أنساها ما حييت رحمه الله “.. لم تكمل الحديث لحزنها وبكائها على فقدان والديها منذ فترة قصيرة.

موسم الزراعة في الريف يأتي ليغير مجرى الحياة لدى المزارعين، فيستحدثون وجبات جديدة ويتناولونها في الحقول، وتكون أشبه بمنافسة مفتوحة فيما بينهم فتتولد لديهم الرغبة في أن يكونوا هم الفائزون، ليس في دنياهم وحسب وإنما يعملون لاخراهم فمتى أحيوا الأرض أحيوا معها الإنسانية والنشاط والحيوية.