صباحات إب القديمة

إب7 press

نشوان النظاري l مقال رأي

على تموجات بقايا الزحف الأسود ينبثق سهم أبيض أنيق يتدلل وينتشي ببشرى النور والانتصار الزمني السرمدي اليومي، فهذا جبل ” بعدان ” صامت وعابس يرتل آيات الضوء ويلامس إيقاع النور المنصب على كيانه المتقرفص منذ قرون، وتلك مدينة إب القديمة تبتسم للإشراق و تداعب هدير النسائم الأولى، وتناغم أحجيات الصبح المتدلية من الايحاء الكوني الجبار.

لإب صبح لا يُقارن ولها إرهاصات ضوئية لا مثيل لها في التاريخ، إنها واحدة من تجليات الجمال والضوء والعظمة، هي سليلة الوميض وابنة الوضوح ومصدر الاشعاع الإلهامي الخرافي الجذاب.

أيها الصبح العابق بشذى مدينة غالبها النعاس منذ سدول الظلام انهض وقبل جبين محبوبتك في شوق وشغف فهي تواقة لمصافحتك و احتضانك من زمن.

في صباحات إب البهية ثمة مدينة عتيقة، كأنها نغمات أسطورية تنبعث من الخيال، تطل بوجهها الفسفوري من أعالي المجد والشموخ، لها خمسة ابواب ” النصر ، الراكزة ، سنبل ، الكبير ، الجديد ” ، ولها عبق التاريخ الضارب في الجذور، لها أبنية قديمة منحوتة بشكل هندسي بارع تشكل لوحة فائقة الجمال والخلود ولا يعيبها سوى بعض التحديثات العشوائية.

لهذه المدينة القديمة صُبح ” الزلابيا ” الساخن، وباعة الأطعمة التراثية الطازجة، فهناك ” بلس الترك ” ، و” الكشت او اللسيس ” وهناك ” الفاصوليا الخضراء ” و هناك  ضحكات جانبية حانية تلون الصبح وترسم الحاضر بألوانها الزاهية.

لها هزء سياسي ساخر بالغ الحدة والتهكم والتسكع الماجن .. ثمة بائع ” زلابيا ” انيق يسخر من واقع بات محاطا بالغموض والتناقضات، ويترك أشياؤه تتبعثر في الجوار لكنه لا يمكن ان يترك رأيه السياسي يذهب سدى .. لباعتها حذاقة ودعابة وحسن ضيافة .. لهم مزاج فكاهي وحس يقظ .. لهم صباح لا يشبه إلا سحناتهم القمحية المخاتلة.

لإب القديمة صباح ماكر يستدرجك  ويفرغ مكنون القلب ويبتز انبهارك إلى أقصى درجة، إذ يتعين علي من الآن فصاعدا أن أحتسي قهوة الصباح حيث قلبي معلق بين دفتي ذلكم المكان الأثير، حيث الروح امتزجت بين ثنايا الأزقة والتفاصيل الفنية الرائعة، حيث الفؤاد معذب بين وصلها والغياب.

الآن أدركت فلسفة المدائن وشغف الأمكنة وعشق الصباحات الأولى الندية، عرفت كيف تلون الأماكن صباحاتها وتمارس فعل الغواية على جموع العابرين والزائرين خلسة بلا ميعاد.