حكاية على الرصيف 

إب7 press

بغداد المرادي

دعاؤها بحرقة استوقفني أثناء عودتي من الجامعة للمنزل، لقد استوقفتني بقوة وشدت فضولي دعوات  سمعتها من إحداهن بحرقة إذ تدعي ” الله لا ردك ولا جعلك تعلم من قام ولا من رقد بعد اليوم”..!

انتابني الشجون لمعرفة فحوى وأسباب ذلك الدعاء  فاقتربت منها وإذا بي بشابة عشرينية العمر تفاجأت بي كما تفاجأت بدعائها.

رددت التحية عليها فردتها بنظرات استغراب و بصوت مبحوح بالوجع مفعم بالقهر..

استأذنتها للجلوس، حيث وجدت الفرصة مواتية والمكان شبه خالٍ من المارة، وعرضت عليها مساعدتي، قلت لها سأوصل شكواك للجهات المختصة، لكنها نظرت إلى السماء وقالت :” الله موجود يسمعني، اشتي بس ” اريد فقط ” حاجة واحدة لما اكلمك تدليني كيف أعمل بالأسباب لأخذ حقي”

قلت : تفضلي، قالت : ” بدأت قصتي حين اكملت مرحلة الثانوية تقدم لي شاب للزواج خطبني وتمت مراسيم الخطوبة كالمعتاد، ليأتي بعدها لمقابلتي في البيت ورؤيتي حد قوله على  “طبيعتي” والتعرف علي عن قرب بوجود أمي وأخواتي، وتم ذلك اليوم بسلام وانتهى الأمر والسعادة تملئ قلبي .

ذات مرة أتى دون أن يعلم أحد بذلك، أخبرته بعدم تواجد أحد في المنزل، إلا أنه أمنني وطمأنني فسمحت له بالدخول للديوان ” غرفة الجلوس العامة “، والجلوس فيه ريثما يعود أهلي .

لم يمانع فجلس هناك، وبعد برهة سمعته يتمتم بهاتفه ويقهقه بالضحك بصوت عال قلت في نفسي عله مع أحد من أصدقائه، بعد ذلك تعالت تلك الضحكات، فلم أصبر، ذهبت لأستمع له، وللبحث عن سبب حقيقي  لتلك الضحكات، وإذا بي افاجأ به يتكلم مع امرأة…!

جن جنوني، تماسكت حتى أتأكد مما سمعت، وإذ بالصدمة أخرى تأتيني أكبر من سابقتها فيقول لها سآتي لك الليلة يا أجمل بنت…!  ما إن سمعت بتلك الجملة حتى فتحت الباب مخبرة إياه بأن يذهب “طردته” غير مأسوف عليه.

ثار غضبه فقام بشد شعري وبدأ بتهديدي إن لم أنفذ ما يطلبه سيشوه سمعتي بكلام ما أنزل الله به من سلطان، خفت منه أكثر، فبدأ بلمسي غصبا عني فلما رفضت ذلك وأفلت من بين يدية بقوة خرج من المنزل غاضباً.

عاد أهلي من عملهم فلم أستطع البوح لأحد منهم عم حدث معي ليهاتفني بعد منتصف الليل ومرسلا لي بكلمات تهديد ووعيد فخفت من أبي وإخوتي فلم يكن مني إلا أن صمت عن موضوعه إلى أن يشاء الله .

أتى بعد أيام للغداء في منزلنا، ولم أستطع أن اقابله، لكن أمي اجبرتني للدخول معها، فلم اتمالك نفسي وانفجرت بالبكاء، فتساءلت أمي عن ذلك فقال لها “ما عليك يا عمه يمكن  تستحي خليها على راحتها عادي ” بضحكات منه ونظرات تكاد تخنقني .

تكلمت مع إحدى الجارات الصديقات فقالت أنصحك بفسخ تلك الخطبة المشؤمة والتراجع عنها منذ  البداية قبل أن تخسري نفسك واحترام اهلك.

فكرت بكلامها، وإذ بي أحاول جاهدة أن اخبر أمي بقراري بعدم مواصلة تلك الخطبة والزيجة، وبدأت بمقدمات لكي تستسيغ الموضوع، لكنها صفعتني على الفور صفعة مؤلمة حتى اسكتتني، ولم تدعني اكمل لها تفاصيل القصة ولا أسباب اتخاذي القرار.

بعدها صرخت في وجهي قائلة :  ” مو تشتي ( ماذا تريديه ) الناس يقولوا مدري مو بينك، فسخنا الخطوبة، الرجال شغال وابن ناس ما يعيبه شيء

دخلت غرفتي، وهاتفت  جارتي بما حدث معي، لكنها ما تزال تنصحني بتلك الجملة ” افسخي قبل أن تخسري نفسك واحترام أهلك ”

فاحترت بين كلماتها وبين ما حدث لي من أمي فكيف لو أكملت وعاودت الحديث مرة أخرى، وأصررت على قراري بالفسخ للخطبة، و دارت في ذهني أسئلة كثيرة وأحداث تخيلتها حتى القتل لم يفارق مخيلتي!

قاطعتها بسؤال من الذي اتصل بك قبل أن ندخل في الحديث قالت هو .! من هو ؟!   “خطيب الغفلة” ما الذي يريده منك حتى دعوتي  عليه تلك الدعوات .. أراد مني أن التقيه  وإلا سيكون يومي أسود كليلي وأنه سينفذ ما قام بتهديدي به في المنزل .

اختتمنا اللقاء، وقبل ان أغادر قلت لها اذهبي لأهلك وأخبريهم بما حدث معك وصارحيهم بكل ما حدث وليحدث ما حدث فلن يكون أقسى مما بعد إن واصلتي صمتك وخوفك.

قلت لها مطمئنة اياها ..لا تقلقي، لست وحدك،  فهناك لجنة وطنية خاصة بالمرأة وحقوقها ومنظمات واتحادات تعنى بالمرأة وحقوقها ايضاً.

لعل ” رنا ” أخرى قد وقعت بنفس ما وقعت به رنا صديقتنا في هذه القصة، فالأهل يتحملون الجزء الأكبر من تعرض فتياتهم للتهديد بسبب تعنتهم وفرضهم قيود  على المرأة، حيث أنه لا يمكنها اتخاذ قرار يناسبها وتكون سيدة الموقف هي، فهذه حياتها ولا يمكن لأحد أن يختار عنها أو يسكتها عن شيء تود الخلاص منه.