“كم هو مؤلم أن تكون سعادتي مرتبطة بموت من كان سبب في وجودي بالحياة “

إب7 press
عمران هلال

 

أخيراً مات أبي لتبدأ سعادتي، وأدخل في حياتي الزوجية بعد حرمان دام 15 عام، كنت فيها قد فقدت الأمل تماما بحقي بالزواج كأنثى وحقي في الحياة مع من أحب .

اخيرا مات أبي، أقولها وأنا على حرج وحزن وأدرك يقينا أن هذه الكلمات مؤلمة للغاية، أن تقرن سعادتي بوفاة والدي، ولكنها الحقيقة المرة التي ضحيت من أجلها عقد ونصف من عمري، قضيتها بين العذاب والحرمان.

منذ أن تقدم لي فيها حبيبي الذي أحببت وأردته وارادني بحق لنصطدم برفض والدي القاطع والمانع وغير مبرر.

” حسام ” ما كان ينقصه شيء ، شاب جامعي مهذب رافقني خلال أربعة أعوام من الدراسة، لم أشاهد فيه إلا كل جميل ورائع مما أغرقني في حبه حد الثمالة،  غير أنه لم يكن من أسرة عريقة كما يقول والدي وليس نسبه يشرف، كما كان يردد أبي دوما هذه العبارات وعبارات أخرى لا علاقة لها بالدين والثقافة والحياة الإفتراضية.

كانت هذه المقدمة الطويلة لفتاة تحكي ملامحها تاريخ صبية جميلة أصابها الضمور .. ” غدير “، اسم مستعار، تسرد لي حكايتها بوجع وبمنطق من يريد أن يقول الآن أبوح بكل شيء وأصرخ في وجه الألم، وأضع قصتي حتى يتعلم الجيل كيف يدافع عن كل ما يؤمن به.

تقول غدير :” تبدأ قصتي في أواخر عام 2006م، حين أكملت الفصل الأول من عامي الدراسي الجامعي الثاني، وحينها تعرفت بـ ” حسام ” شاب يدرس معي ، وقد كان من ضمن أوائل الدفعة بامتياز، وقد مرت بيننا السنين ونحن نغرق في حب بعضنا حد التخمة،  حتى كأنني آمنت أنني خلقت من أجله، وكما أراه خلق من أجلي، كانت كل صفاتنا تليق ببعض البعض، وكنا نشعر أن لا قوة في الأرض بإمكانها فصلنا.

وتكمل، مرت السنين وقبل أن نختم مشوارنا الدراسي بأشهر، تقدم حسام ووالده لخطبتي من يد والدي والذي استقبلهم ليتعرف عليهم ثم فاتحني بالأمر فحدثته عنه وعن أسرته البسيطة وعن اقتناعي به كزوج لي .

وتواصل، بدت لي نظرات أبي مستجيبة لي، وتكاد توافق وتبارك مشروع زواجي، وفقط 3 أيام من المشاورات مع بقية العائلة كانت كفيلة بإزاحة حلمي وإدخالي في 15 عام من العذاب والامتهان والانتظار .

وتسرد غدير بقية تفاصيل قصتها، وفي مساء مرعب عاد والدي من الخارج، وقال في وجهي انسيه، فهو من أسرة ناقصة، ونسبه غير مشرف، وليس من طبقتنا

فأبوه ” مكرث “،  يبيع الخضروات، وهذا نقص كبير فانسيه يا أبنتي، ثم أخذ هاتفه واتصل بهم قائلا البنت غير موافقة، ولا نحن، فلا يوجد نصيب لابنكم لدينا .

قالها هكذا بكل برود، لكنه أضرم النار في قلبي وأحرق كل أمنياتي وأحلامي بغمضة عين.

لتمر بعدها السنوات وأنا أنتظر خلاصي، حاولت أن أقنع حسام بالهرب معا، غير أنه رفض، وكان يصر على أن يأخذني زوجة من بيت أبي لا هاربة فهو معيد جامعي مهذب .

وتكمل، 15 عام نتراسل بالحب والغرام حد الجنون خفية عن كل أعين العالمين، كانت كل المسميات لا تعنينا ولا التقاسيم الطبقية المقرفة تمت إلى حياتنا بصلة فقط كنا لبعض وببعض نؤمن بذلك حد اليقين.

ومرت السنين وكنت قد قطعت العهد لنفسي وأبي أن أبقى عازبة حتى الموت وأنني لن أتزوج إلا حساما أو فلن أتزوج، وكان بي يقين تام أنني ساحضى به وكان هو من يقف معي ويساند موقفي .

صمتت برهة، وأخذت نفس عميق، وقد بدا على محاجر عينيها سواد العمر المهدور وواصلت حديثها،” حاول حسام عبر وسطاء كثر ومعارف لوالدي إتمام زواجنا غير أن رفض العائلة والوالد كان قاسيا للغاية، ووقف سدا منيعا تتحطم عليه كل المحاولات”.

ومرت السنوات من العذاب والوجع تقدم لباب بيتي الكثير ولكنني كنت قد أشبعت كل أنفاسي بحسام وانتهى أمري .

وتوضح حجم الضغوطات حيث تقول: ” حاولت الأسرة والوالد عبر التهديد والوعيد والترغيب وكل أشكال المغريات إغراء نفسي بأحد الخطاب، غير أني رفضت كل ذلك فقد كانت روحي بمثابة الروح المزوجة ولم تعد لي أمرها.

وتحكي أصعب موقف حدث لها، حيث  غصبني والدي عام 2015م على الزواج من أحدهم وقام بعمل عقد الزواج،  غير أني هربت من البيت لأسبوع، واشترطت للعودة فسخ عقد زواجي وحفاظا على سمعة العائلة تم فسخ عقدي وكذلك سلق جلدي أثناء العودة ضربا وتعنيف حد الموت. تدخلت على أثره أمي منقذه لحياتي من تحت عنفوان إخواني ووالدي.

وتختتم غدير قصتها، ومرت الأيام، وقبل شهر من الآن لفظ أبي أنفاسه الأخيرة، وبموته كأنني صعدت من البحر أو انزاح جبل من على قلبي، ولكنه قبل أن يلفظها، قال لي تزوجيه، وأدار وجهه للحاضرين وقال لهم، زوجوها به، وأقل من ساعتين غادر الدنيا، وحينها  لم أكن أدري أأبكي عليه وعلى عذابي به وامتهانه لي، أم أفرح لقرب لقاء الحبيب مع من أحب وأعشق .

15 عام من الإنتظار، وكم هو مؤلم أن تكون سعادتي بموت من كان سببا في وجودي ولكنها الحقيقة، وقبل شهرين فقط تقدم حسام لي، وقد أصبح دكتورا، وقد وافق أخي امتثالا لوصية والدي، وفي الـ40 من موت أبي تزوجته، وها أنا الآن في نعيم الزواج أبحث عن طفل، وقد سامحت أبي ولكن لا أدري هل سياسمحه الله والحب وهل ستغفر له الإنسانية فعله الشنيع بي.