حياة مبنية على التمييز

 إب7 press
طاهر الزهيري

 

” منذ الطفولة ونحن نُمنع من كل شيء حتى اللعب، ونحن أطفال يحق للأولاد الذكور دون البنات ان يفعلوا ما يحلو لهم، وبعد أن كبرنا قليلاً فُرض علينا ارتداء النقاب في سنٍ مبكر، وكلما كبرنا أكثر يتم مصادرة ابسط حقوقنا، ليتم بعدها تزويجنا في عمر لا نعرف فيه ان نميز مصلحتنا من عدمها، ويكذبون علينا بأن الزواج هو مستقبل المرأة وأن التعليم هو مستقبل الرجل، وهكذا نعيش حياة التمييز الذكوري منذ نعومة أضافرنا “..

 

هذا ما قالته لنا ” فدوى ” التي عندما سألناها عن عمرها قالت: ” عمري ضاع في العيب والحرام والعادات والتقاليد التي حرمتني من كل شيء ولم أعش حياتي كما ينبغي منذ طفولتي وحتى الآن وأنا إحدى ضحايا التمييز بين الذكور والإناث وكأننا خلقنا لعكس ما خلق له الذكور”.

 

” ريم ” 21 عام، من ريف إب، تصف فتيات قريتها بالمحرومات، تقول ” في قريتنا للذكور الأولوية في كل شي، وبنات القرية مظلومات، فهن يحرمن من التعليم الثانوي لبعد المدرسة الثانوية من قريتنا، ويحرمن من التدخل في أي قرار يخص العائلة، ويحرمن حتى من اختيارهن لمن يتقدم لهن، وعليهن تقع مسئولية البيت، ويحرمن من الخروج من البيت إلا باستئذان ومع محرم، بينما الذكور يذهبون ويعودون ويفعلون ما يشتهون ويتم تشجيعهم على التعليم ودفعهم إليه بالقوة وتوفير كافة السبل لتحقيق كل أحلامهم”.

 

” أبي يميز أخوتي الذكور علينا نحن الإناث ” هكذا قالت جميلة في حديثها معنا، وتضيف: ” كل ما يقوم به أبي معا أخوتي يجلب لنا نحن بناته اليأس والإحباط، نحن خمسة أولاد لأبي أثنين ذكور ونحن ثلاث إناث، ولكنه يفضلهم علينا بكل شي ويقول هم رجال، أما أنتن نساء مكالف، حتى بالنسبة للمال يعطيهم المال ولا يعطينا نحن يجب أن نكون بجانب والدنا أو أحد أخوينا الذكور عندما نرغب في شراء شي وليس لنا حرية الاختيار في الشراء إلا إذا وافق ذوقهم ورضاهم” وتختم جميلة حديثها السريع معنا بقولها: ” كم تمنيت أنا وخواتي لو ولدنا ذكوراً” 

 

” الجوالات للمتزوجات” هكذا تفاجئنا سماح بقولها، عندما قابلناها وسألناها رقماها للتواصل معها لاستكمال حديثنا معها، عرفنا حينها لماذا كانت تتحدث بحرقة وتقول: ” في عصر يسمونه السرعة والتكنولوجيا، نحن النساء لا نعرف السرعة ولا التكنولوجيا وما زلنا نعيش في زمن الجاهلية، كل شي يقولون لنا عندما تتزوجين أفعلي ما شئت، لقد أصبحت أخاف أن أتزوج وأذهب إلى بيت رجل لا يحب مرأة لا تعرف شي عن العالم، حتى إذا خرجت من البيت سوف تضيع في الشارع لأنها لا تعرف إلا بيتها وقليل من حارتها، لا تشاهد التلفاز ولا تعرف استخدام الحواسيب” داهمنا الوقت فطلبنا رقمها لنكمل حديثنا عبره إذا لم نستطع العودة لزياتها، فكان ردها ” الجوالات للمتزوجات، أبي يقول هكذا، وأخي الكبير يقول المرأة لا تخرج من بيتها إلا لبيت زوجها وإلا للقبر، وأمي تقول البيت المرة والحبه الذرة، نحن أسرة تخاف من شيئ أسمه أنثى، كأنها الخوف المرتقب والعار المسجون والمصيبة الكبرى”

 

ياسين زوج وأب لستة أولاد فتاتين منهم: ” أنا أفتخر في بناتي وأشجعهن على التعليم، وأتمنى لهن مستقبل مبهر، وأمن بقدرات المرأة وأهميتها في العائلة والمجتمع، وأعرف أن العادات والتقاليد في بلادنا صعبة وأتعرض للكثير من الكلام الجارح بسبب تشجيع بنات على التعليم وممارسة هوايتهن وإفساح مجال الحرية لهن لاختياراتهن وحياتهن، حتى وصل ببضعهم إلى وصفي بصفات سيئة وقذفي بكلمات بذيئة ولكني أثق في بناتي وفي تربيتهن وثقتي تأتي من حوار ومشاركة وعلاقة قوية بين أب واعي وبناته المتعلمات المتطلعات، ولا أميز بين أولادي الذكور والإناث في أغلب الأمور”

 

تبدأ أول بوادر التمييز في الأسرة نحو الفتاة من خلال عبارات الأسف التي يكيلها الناس للأسرة إذا ما كان الطفل المولد أنثى هذا ما قالته ” أنهار محمد ” فتاة لها 4أخوات وأخ واحد لم يبلغ عمره العام حتى الآن، أكملت حديثها قائلة : وبعد مرور سنواتنا الأولى يبحثون عن سند لنا وتحمل الأم الطفل الأول ويليه الأخر حتى يأتيهم الصبي الذي يفتخرون به ويميزونه بأكله وشربه وطريقة لبسه بل منذ أن يلد وهو الحاكم على ما سبقه من البنات حتى وإن كان لازال رضيع فواجبنا احترامه وتلبية كل طلباته ناهيك عن جملهم الدائمة “بيكبر ويعيد تربيتكن من جديد “،وبالنسبة للأسرة أكثر شيء قد يهمهم بالفتاة هي أن يجدوا لها زوج يستر عليها وتقوم بواجبها كزوجة لتبحث عن ولد له يسنده وهكذا نعيش.

 

” الرجال ما يعبيه شي ” تقول حنان عبدالكريم 23 عام  بطريقة ساخرة واستطردت حديثها قائلة بحنق :” هذه العبارة التي نسمعها في كل منزل يمني وفي الحقيقة عبارة خاطئة أنتجت لنا جيل من الشباب الفاسدين الذين يرون نفسهم شيء مقدس وبأننا فقط خلقنا لنكون جاريات لهم، أتعلم بأنه لا يحق لي أن التقط صورة تذكارية مع صديقاتي أو حتى مع عائلتي لأنني فتاة، لا يحق لي مشاركة رأيي بأي شي لأنني فتاة لا يحق لي سواء التنفس ولو كان بيدهم لمنعوها منه ولا نملك إلا أن نكون خاضعات مذعنات” ..

 

تقول الاستاذة سميرة محمد، أخصائية اجتماعية :” التمييز الجنسي حاضر وبقوة في أبسط تفاصيل حياتنا كإناث، بل أنه من أبرز صفات مجتمعنا الذي نعيش فيه؛ مجتمع يفرق في معاملة الذكر والأنثى لأنه موجود بكثافة شديدة، ولأننا ننشأ ونكبر عليه، ولأننا نجده في أغلب البيوت وفي المدارس والجامعات وغيرها حتى جعل البعض يتوهم أنه غير موجود، لأنه أصبح هو العادي والطبيعي وهو ما يجب أن تسير الأمور عليه، والتمييز يبدأ من الأساس من الوالدين الذين قاما بتنشئة أولادهم بالتمييز بينهم، وتبدو سمات التمييز أكثر وضوحاً في المجتمع الريفي منه في المجتمع المدني، حيث تعامل بعض الأسر مع الفتاة يكون مختلف منذ الصغر وإن تعلمت فقط لتحظى بفرص أفضل لزواج، وهذا قد يشيع العداوة بين أفراد الأسرة، فإشعار الفتاة بأنها عبئ يجب التخلص منه وغير مرغوب به يولد في داخلها الإحباط والشعور باليأس ولا يلبث هذا الشعور أن ويترجم إلى سلوك عدواني سواء كان نحوها أو نحو الآخرين”.

 

ثقافة اجتماعية تراكمية مبنية على جملة من المعتقدات والخرافات الناجمة عن فهم خاطئ للمورث الثقافي والاجتماعي، ولا علاقة لها بدين او سلوك حضري سوى ارتباطات وشيكة بأهداف وسلوكيات اجتماعية سلبية خاطئة.