إب7 press
بغداد المرادي
تكمن أهمية اختيار المرأة لشريك حياتها في توفير أكبر قدر من الأمان النفسي والاجتماعي في بيت الزوجية وبناء بيوت على قدر كبير من المثل والتعاليم الدينية والقيمية السامية.
وينتج عن اختيار المرأة لشريك حياتها اختفاء المشكلات اليومية، وتراجع الأزمات التي يعاني منها المجتمع بسبب العادات والتقاليد والمفاهيم الخاطئة، وكذلك الحد من تزايد ظواهر سلبية من شأنها تفاقم الازمات في أوساط المجتمع وحدوث اشكاليات مجتمعية خطرة كالطلاق والخلع وبالتالي تشتت الأبناء، وانحرافهم عن الطريق السوي.
يرى الكثير من الاباء ان اختيار الفتيات لشريك حياتهن عيبا وانه خروج عن الأخلاقيات، وأخرين يعتبرون هذا الحق انسلاخ هوية وتقليد للغرب، فيما تؤكد جميع الأديان السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي على ضرورة موافقة الفتاة بزوج المستقبل كشرط أساسي للزواج.
يؤكد الدكتور ابراهيم حيدرة- جامعة إب، باحث في الدراسات الإسلامية والفقهية، ان حق المرأة في اختيار شريك حياتها حقا إلهيا لا يمكن لأحد إجبارها على الزواج دون رغبتها.. مستدلاً بأحاديث نبوية وآيات قرآنية تثبت بأن للمرأة الحق في اختيار شريكها حتى تستقيم الحياة الزوجية.
ويضيف، قال الله تعالى في محكم التنزيل ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون﴾ من خلال هذه الآية نجد ان الله قد رسم للحياة الزوجية طريقاً سويا يحقق كل معاني الألفة والتعاون والتفاهم والحب بين الزوجين.
وتضيف الباحثة في الدراسات الاجتماعية والعربية الاستاذة “سبأ علي القاسم ” ان المرأة مكرمة في الإسلام ولها الحق في اختيار الشريك المناسب لحياتها شريطة أن يكون رجلاً ملتزما ومتحلي بالأخلاق الفاضلة.
وتنصح الباحثة الفتيات بعدم التهور في اتخاذ قرار مصيري في لحظة عاطفة قد تندم عليها بقية عمرها، ما لم يكن للأهل شراكة في ذلك القرار وتحمل مسؤوليته.
وتشير الباحثة ” ال قاسم ” أن نسبة 95٪ من معظم الفتيات لا يتم أخذ رأيهن في اختيار الزوج المناسب لها والموافقة عليه إلا بعد ان يتم أولياء الأمور كل شي فيتم إشعارها كنوع من تبرئة للذمة، بحيث يقولوا لها بأن فلانا تقدم لك، وموعد الزواج تحدد الى حين كذا ما رأيك! فما رأيها في هذه الحالة؟! طبعاً التأكيد الموافقة دون ان يكون لها رأي منذ البداية وقبل تحديد أي شي.
وأشارت الاستاذة فايزة البعداني مدير مجمع إب التربوي للبنات، وعضو مجلس المحلي في محافظة إب، مدير حقوق الأنسان في المحافظة، إلى أهمية هذا الحق من وجهة نظرها وما يترتب عليه هذا الحق للمرأة وللمجتمع ككل في تقليل نسب المشاكل الأسرية والزوجية مستقبلا وحاضراً.
وتضيف بأن مدى ممارسة هذا الحق في مجتمعنا اليمني وخاصة في محافظة إب أرتفع بدرجة عالية مقارنة بما كانت عليه المرأة قديما إذ كان رأيها لا يعار أي أهمية كون المرأة وأمرها بيد ولي أمرها، وهو من يعلم مصلحتها أكثر منها.
وتنوه “البعداني” إلى أن نسبة النساء اللاتي يمارسن هذا الحق في اختيار شريك حياتهن 86 %، لان أولياء الأمور أصبحوا على أكبر قدر في مجتمعنا من الفهم والوعي في الأخذ برأي الفتاة في اختيار شريك حياتها وعدم إجبارها على أخذ القرار بالموافقة مجبرة.
وتكمل، وما نسبته حالياً وفي وقتنا الراهن 14٪ ممن لا يؤخذ رأيهن في أمر زواجهن إلا بعد إقرار وتحديد موعد الزواج رسمياً من قبل وليها ومن تقدم لزواج بها، ويحدث ذلك غالباً في الأرياف وممن غلبت عليهم العادات والتقاليد المجتمعية ومن لا يزالوا يرون أن الفتاة لا يجوز الأخذ برأيها كونها لا تدرك ولا تعلم مصلحتها.
من جانبها الأستاذة خولة علي الشرفي، رئيس اللجنة الوطنية للمرأة بديوان عام المحافظة، تؤكد أن للمرأة الحق في اختيار شريك حياتها وعدم إجبارها على تقرير مصيرها بالإكراه.
وتؤكد ان نسبة النساء والفتيات اللاتي يقررن هذا المصير بالموافقة بعد سؤال الأهل لها وبعد سؤالهم عمن تقدم لابنتهم 70% كنسبة من موقع عملي ومعرفتي للمشكلات والقضايا التي تأتي إلينا تباعاً بسبب عدم الانسجام والتفاهم بين الزوجين أو طبيعة الزوج الغير سوية، وبالتالي يؤدي إلى قضايا طلاق وخلع كثيرة جداً.
وتذكر “الشرفي “أن أبرز معيقات المرأة في اتخاذ القرار العادات والتقاليد المجتمعية، حيث تعتقد الأسرة أن الفتاة لا تعرف مصلحتها أكثر منهم، وكذلك النظرة السلبية للفتاة المتعلمة والموظفة على أنها غير قادرة على تلبية احتياجات الزوج وتربية الأبناء وتدابير المنزل لانشغالها في العمل والتالي تكثر العنوسة في أوساط الفتيات المتعلمات والعاملات في مختلف الوظائف في الدوائر الحكومية والخاصة وفي حالات استثنائية للبعض بالزواج من امرأة متعلمة عاملة لغرض استغلالها مادياً.
وتشير إلى أن أهمية اختيار المرأة ومشاركتها القرار مع الأهل في اختيار شريك حياتها يصب في الحفاظ على البيت والأسرة من الضياع والتشرد وتشتت امرها، لما يسود ذلك البيت من التفاهم من قبل الزوجين وخاصة إن كانت الفتاة متعلمة صبورة على تحمل العقبات والمشكلات التي ستواجهها في الحياة الزوجية.
وفي مقابلات أجريناها مع عدد من الفتيات تفاوتت مستوياتهن العلمية، وبينهن متزوجات ومطلقات وعازبات، ومنهن من هي مقبلة على الزواج، وكانت آراءهن متفاوتة، لكن الغالبية أكدن على تمسكهن بحقهن في اختيار شريك الحياة، وعلى حجم الصعوبات التي قد تصاحب المرأة في حال لم تتمكن من اختيار شريك حياتها.
“سهام عبد المجيد” فتاة في العشرينات من عمرها تزوجت وتطلقت بسبب عدم الانسجام من كلا الطرفين، بل كانت ضحية للزواج التقليدي وتهميش الأسرة لرأي صاحبة الشأن.
تروي سهام لنا أنها صدمت من هذا الزواج المبني على كذبة من البداية حتى النهاية الفاشلة، حيث اشارت إلى أن ما كان يقال عن الزوج أثناء فترة الخطوبة والعقد لا أساس له من الصحة، وأنتهى ذلك الزواج بطلاق وآثار جانبية كانت هي الضحية فيه.
“زينب عبده”، طالبة علم اجتماع، مقبلة على الزواج، لها رأي مختلف، حيث تقول أن علاقتها بأسرتها متينة، وبينهم ثقة متبادلة، فعندما جاء شخص لخطبتها طلبت من أسرتها معلومات عنه كافية لتقرر هي في النهاية مصيرها.. مؤكدة أنها لو لم تكن مقتنعة بهذا الشخص فمن المستحيل أن تقبل به، ولن تستطيع أية قوة أن تجبرها على الزواج.
فيما ” ليان العودي ” طالبة جامعية، تؤكد أن اختيار الزوج شي أساسي حتى تتمكن من تحمل مسؤولية الزواج ولا تشعر بأنها مجبرة على خطوة كالزواج بالإكراه، وبالنسبة لها يعد هذا حقا مقدسا ولا يمكن أن تتنازل عنه تحت اي ظرف كان.
وتضيف انهار “اسم مستعار” طالبة علم اجتماع، للأسف، بالنسبة لي الرأي لأهلي وأنا من بعدهم حتى لا يحملوني كامل المسؤولية فيما بعد، نحن عائلة محافظة، بل تبدو معقدة لا سيما في مثل هكذا قضايا.
وتتمنى انهار ان يأتي شريك حياتها، وسيما ولديه قدرة واسعة للتفاهم وأن يملك عقدة التحكم بها ويتركها تكمل دراستها، وتتواصل بشكل دائم مع صديقاتها.
تقول ” سامية علي “، ناشطة مجتمعية،” كما أتاح الإسلام للرجل البالغ بأن يتخير لنطفته من تناسبه حسباً ونسبا خلقا وخُلقا “لقوله صلى الله عليه وسلم تخيروا لنطفكم “، أتاح كذلك للمرأة البالغة الحق في أن تختار شريكها لإكمال الحياة ففي هذا الاختيار وحريته اساساً من أساسيات نجاح العلاقات الزوجية وديمومتها.
وتضيف، كما ان للوالدين دورا هاما في تقديم النصح لأبنائهم في موضوع اختيارهم لشريك الحياة مع عدم إجبارهم على شيء إلا في حالات معينة، مثل اختلاف الطبقات المجتمعية الحاصلة في مجتمعنا كأن يرفض الآباء تزويج ابنائهم من فئة اخرى لا تنتمي لهم فهنا يعترض الوالدين على هذا الزواج ويجب طاعة ولي الأمر، ينبغي كذلك ان يتعاملوا بالمثل مع بناتهم، ويكونوا عند مستوى المسؤولية الدينية والاخلاقية”.
تؤكد القوانين والمواثيق الدولية على ان للمرأة الحق في اختيار الزوج المناسب لها، وذلك ما جاء في نص المادة رقم 16، من اتفاقية سيداو المنعقدة في الأمم المتحدة في العام 1979م
وتنص المادة ” أنه كما للرجل الحق في اختيار شريكة حياته يحق للمرأة ان تختار شريك حياتها وعدد الاطفال الذين ترغب في انجابهم والقيام برعايتهم بعد ولادتهم، كما تتمتع المرأة بحقوق متساوية بالملكيات التي تحصل عليها مع زوجها خلال فترة الزواج، ومن اجل القضاء على زواج القاصرات يجب على الحكومات ان تحدد السن الادنى للزواج وتتأكد من احترام هذا القانون ان يتم تسجيل جميع حالات الزواج رسمياً لدى الحكومة “
ينبغي ان يؤمن المجتمع في أهمية اختيار الفتاة لشريك حياتها، وأن يحدث بين الفتاة والأسرة انسجام لتحديد المواصفات العامة والخاصة لذلك الشريك، وفق أسس ومعايير دينية واجتماعية وإنسانية حتى تعم السعادة المجتمع ويتفرغ أفراد المجتمع للبناء والمواكبة، بدلا من هدر الطاقات وضياع الوقت في حل الإشكاليات الاجتماعية، التي لن تنتهي وهي مبنية من الاساس بطرق بدائية وخاطئة.