إب7 press
بغداد المرادي
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة مجتمعية سلبية تتمثل بالعشرات من المتسولين تجدهم أمامك عن يمينك وشمالك، يأتون من كل حدب وصوب، على حافة الطرقات، وأمام المنازل، وعلى أبواب المساجد، وعند إشارة المرور، وفي الأماكن العامة كأماكن الترفيه المتمثلة في الحدائق والمراكز التجارية الكبرى في المدينة والمرافق الحكومية كالمدارس والجامعات والمستشفيات وأمام محلات الصرافة وفي كل مكان في المدينة بطولها وعرضها حضرها وريفها إذ يتدافعون بين السيارات معرضين أنفسهم للأذية والخطر من أجل الحصول على المال، حتى باتت ظاهرة غير صحية.
هناك بالفعل أسر تضررت جراء الحرب والنزوح، وهناك عائلات داخل مدينة إب معدمة، وهناك أسر تعاني الفاقة جراء إصابة عائلها بإعاقة، أو عجز جسدي بسبب المرض أو التقدم في العمر، وهناك أيتام توفى والدهم وهم ما يزالوا صغار، وهناك أيضا من ليس فيه كل ما ذكر بل بصحة جيدة وقد أمتهن حرفة التسول لأنه يحصل على مردود مادي وفير، دون أن يقوم بإنجاز أي عمل.
مأساة اجتماعية تواجدت منذ القدم وتوسع نطاقها وانتشارها في مجتمع إب بشكل متسارع ولافت، وهذه الظاهرة تؤثر على بناء المجتمع، وتعمل على تشويه الشكل والمنظر الحضاري لأي بلد وقد يعرض السياحة في المدينة “إب” للخطر كونها مدينة حباها الله بكل ما هو جميل وجذاب وساحر.
تقول الأستاذة “عبير قاسم”، باحثة اجتماعية، أن أهم الأسباب التي أدت لنشوء مثل هذه الظاهرة، الحرب القائمة على البلد وتردي وتدني الوضع الاقتصادي والمعيشي.، وانقطاع الرواتب، بالإضافة إلى تأثير البطالة وارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية، مما دفعت الكثير من المتسولين لامتهان التسول.
فيما الدكتور “جلال المذحجي” الباحث في علم الاجتماع في جامعة إب يؤكد أن ظاهرة التسول في المجتمعات يرجع الى عدم التوزيع العادل للثروة في المجتمع، وغياب العدالة الاجتماعية.
وأشار “المذحجي”، إلى عدم تدخل اي جهة أو اتخاذ أي حلول لعلاج هذه الظاهرة، وكذلك غياب الدور الفعلي للجهات المعنية والمختصة بشؤون وقضايا المجتمع مما سيؤثر سلباً على الفرد والمجتمع بشكل عام.
قمنا بالنزول الميداني، والتقينا ببعضهم، فكانت ردودهم متفاوتة، إذ يعلل بعض المتسولين هذه الممارسة لعدم وجود خيار أخر غير مد أيديهم ليتمكنوا من كسب عيشهم وتلبية احتياجاتهم وأسرهم وذلك نظرا للفقر الشديد ولعدم قدرتهم على العمل او الحصول عليه.
من خلال متابعتنا للموضوع، تبدى لنا أن لكل متسول أسلوبه الخاص به لجذب الناس واستعطافهم لإعطائه المال، فبعضهم يستخدم أسلوب الإلحاح على المارة بالشراء منه أشياء لا قيمة لها، كالمناديل وغيرها من البضائع رخيصة الثمن أو بالتعاطف والكلام المحزن الجاذب لتعاطف الناس وأغلبهم يتصنع البكاء.
يصنف المتسولون الى أصناف وفروع كثيرة، فمنها الصنف الأول والذي يتمثل بالمتسولين بسبب الفقر الدائم وعدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل، فيما الصنف الثاني العجزة الذين لا معيل لهم.
تروي ” ن. ع. ر”، تبلغ من العمر 38عاماً، ان سبب خروجها وتسولها هو فقدان معيلهم وهو الزوج في الحرب الدائرة قبل نحو أربعة أعوام، وتكاثر المسؤولية وأعبائها عليها تقول إنها مرغمة على ذلك لتوفير ما يسد رمقها وأولادها الأربعة.
وهناك صنف ثالث، وهم المعاقين الذين لا يقوون على العمل في أي مجال، أما الصنف الرابع المتسولين الموسميين وهم من أفراد الطبقة المتوسطة الذين تدهورت أوضاعهم المالية خلال السنوات الاخيرة نتيجة لانخفاض معدلات الدخل وانخفاض قيمة العملة المحلية.
وهناك صنف آخر يتمثل بشريحة الأطفال، وهذه الشريحة توسعت نطاقها في الآونة الأخيرة والأسباب كثيرة ومخيفة، فمن خلال نزولنا تبين أن الأسباب إما عنف أسري أو التفرق الأسري بسبب الطلاق بين الأبوين أو لغياب وفقدان رب الأسرة بسبب الوفاة ومعاناتهم بسبب النزوح بعد ان كانوا ينعمون بظروف معيشية جيدة نوعا ما.
تقول الطفلة “جنى” ذات الأحد عشر عاما ان سبب خروجها بسبب التعنيف من قبل والدها وظروفهم المادية الصعبة وتشتت الأسرة بسبب الطلاق بين الابوين.
طفل آخر يروي أن سبب خروجه للتسول يعود بسبب التشرد الأسري والفقر الشديد الناجم عن النزوح وعدم مساعدة الجهات المختصة لهم.
وهناك صنف آخر يرثى له، انهم كبار السن، إذ تتحدث الجدة “نورية محمد” تبلغ من العمر 54عاما أن سبب خروجها الى امتهان هذا العمل هو انه لا وجود لأولادها لإعالتها بسبب هجرتهم عنها ونسيانهم ربما لشأنها، واهتمامهم بزوجاتهم… لم ادعها تكمل لانهمار دمعها في حينها تركتها وذهبت بصمت مؤلم.
ويشير المحامي ” محمد الشعر” أنه من الآثار السلبية لهذه الظاهرة سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أن الفرد يكتسب من خلال هذا العمل سلوكيات أخلاقية غير حميدة وخاصة الأطفال، كاستغلال المتسولين الاطفال من قبل ضعاف النفوس لتحقيق بعض مآربهم الدنيئة وبالتالي انتشار الرذيلة بين أوساط المجتمع. اذ تروي الطفلة “جنى” ان أحدهم يقوم بإغرائها بالمال لتوصيل رقم هاتفه، واشياء اخرى لأحداهن، بالإضافة الى استغلال الاطفال جنسياً، إذ ان تواجد الطفل في الشارع يجعله فريسة سهلة وموضوع جريمة يكون هو ضحيتها.
كما يؤكد لنا مصدر أمنى رافضاً ذكر أسمه، انه تم ضبط العديد من شبكات الدعارة، والاستغلال الجنسي تعمل تحت غطاء التسول، والحركة التي لا تخطر على رجال الامن.
المنظمات الإنسانية لا تقدم شيء لهذه الشريحة، لعدة أسباب لعل من بينها عدم القدرة على حصرهم واستيعابهم في برنامج معين، ناهيك عن تعلل البعض ممن ينتمون الى تلك المنظمات والجمعيات أن هؤلاء بات التسول بالنسبة لهم مهنة ولا جدوى من المحاولة.
يقدم الناشط ” أشرف صادق ” مجموعة من الحلول لتلك المعضلة، منها تطبيق العدالة الاجتماعية بشكلها الصحيح والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وخلق توازن في مستوى المعيشة بين افراد المجتمع، التشجيع على العمل في حرف مهنية تعود بالربح الوفير، ودعم المنظمات للأسر الفقيرة، ومشاريع التمويل الصغيرة التي تعود على الأسرة بمبلغ وفير يحد من خروجهم للتسول أو امتهانه، والاهم تفعيل دور الجهات المعنية للحد من هذه الظاهرة.
تبقى ظاهرة التسول ظاهرة مؤرقة، لا سيما مع وجود بعض الأفراد عديمي الضمير الذين يبحثون عن الكسب السهل، او الثراء الغير مشروع، لتبقى مؤسسات الدولة هي الضامن والرادع لكل ذلك الانفلات الاخلاقي المجتمعي.