إب7 press

بلا مسكن أو مأوى أو وطن يواجه مجتمع المهمشين في محافظة إب جائحة كورونا بلا اهتمام من قبل السلطات المحلية والمنظمات الدولية والمجتمع المحلي بالمحافظة مما ينذر بكارثة وتفشي الوباء بشكل هستيري داخل المحافظة لا سيما وان أفراد هذه الفئة منتشرين بالمجتمع بشكل كبير للغاية.
يعيش السكان ذو البشرة السمراء والذين يطلق عليهم المجتمع المحلي تسمية ” أخدام ” وهي تسمية طبقية فئوية بغيضة، يعيشون في الخيام التي ينصبونها في املاك الدولة المشاعة ” التي ليست في ملكية مواطن ” خارج المدن أو على جانبي الطريق والقليل منهم من يقطن في المنازل والبيوت الحجرية.

• مهن فئوية

تعمل هذه الفئة في الأعمال الدونية التي يرفض المجتمع تأديتها، عمال نظافة، اسكافي، الصرف الصحي لكن مع مرور الوقت بدأ المجتمع يمارس تلك الأعمال ولكن بنسبة ضئيلة وما زالت النظرة الدونية حاضرة بقوة من قبل المجتمع حتى لذوي البشرة البيضاء، واغلب ابناء هذه الفئة لا ينخرطوا في التعليم ليس بسبب وجود عائق قانوني بل بسبب النظرة العنصرية حيالهم.

• توقف عن التعليم

يقول الفتى احمد وقد درس في إحدى المدارس الحكومية التي تقع جوار مبنى المحافظة حتى الصف الخامس الأساسي أنه توقف عن التعليم منذ سنوات بسبب نظرة الازدراء الذي كان يواجهها من أغلب الزملاء في المدرسة، بل ان اغلب الزملاء في الفصل يرفضون الجلوس بجواره، وتعاملهم معه محدود للغاية.

• دونية قاسية

يتعامل المجتمع في محافظة إب كما باقي المحافظات مع هذه الفئة بدونية متخلفة إذ يرفض حتى تناول الطعام مع هذه الفئة كما يعد الزواج والارتباط بمهمشة جريمة اجتماعية عظمى لكن المجتمع يتغاضى عن ممارسة الجنس مع مهمشة، وقد تم حرم أحد أبناء القبائل في إحدى المديريات الميراث بسبب زواجه بفتاة مهمشة على سنة الله ورسوله ووفق للنظام والقانون والشريعة الإسلامية التي تحكم البلد.

• القانون والعرف

لا يوجد تمييز ضد المهمشين ذو البشرة السوداء في القانون اليمني وهم متساوون في الحقوق والواجبات ولكن قد تكمن المشكلة في التمييز والعرف القبلي والاجتماعي والعادات التي زرعت تلك التمييزيات، إلى جانب قبولهم بالنظرة الدونية وتربية أبنائهم على ذلك.

• الرعاية الصحية

الرعاية الصحية ضعيفة للغاية لدى لسكان في المحافظة لكنها لدى هذه الفئة المهمشة تكاد تكون منعدمة ناهيك عن تدني نسبة الوعي في أوساط هذه الفئة وهذا ما يمكن ان نسميه مؤشر خطر لتوغل الجائحة في تلك التجمعات العشوائية المحشوة بالسكان.

• البؤساء يصنعون الأفراح

المهمشون فئـة من البشرية تدفع ثمن ارث تاريخي ونمط تفكير قبلي متخلف إذ لا تشارك هذه الفئة أفراح ومناسبات باقي المجتمع وتقتصر مناسباتها الخاصة فيما بينها، بل أنها تصنع افرح بقية الفئات والطبقات من خلال فرقها الفنية الشعبية والمكونة من عازف بآلة المزمار وآخر ومرافق له بالطبول وراقصتين أو أكثر وهم يقدمون عروضا فلكلورية تشعل البهجة وترسم السعادة في وجوه المدعوين.

• نزول ميداني

فريق إب7 press قام بزيارة ميدانية الى عالم المهمشين والى نقاط تواجدهم في الجبال المحاذية للمدينة وعلى امتداد السوائل وفي أحد الأحواش الذي خصصته السلطات لسكن مجموعة منهم، وكذلك إلى بعض الأحياء الحديثة حيث استطاعوا انتزاع قطع أرض تابعة للدولة قبل التمدد السكاني وباتت مع مرور السنوات ملكا خاصا لهم.
” أحنا ضد كورونا وعلاجنا هي الحرارة والهواء ” بهذه العبارة أستفتح حديثه، محمد محفوظ ” 30 عاماً ” أحد الشباب من فئة المهمشين الذين يعيشون في محافظة إب، والذي يعمل في كل شيء حد قوله ” أعمل في أي شي في حمل الأشياء في مساعدة العمال في الصرف الصحي في النظافة وأي عمل يمكنني القيام به” وعن حديثنا معه حول جائحة فيروس كورونا قال ” أحنا ضد الكورونا وعلاجنا هي الحرارة والهواء، أحنا مثلما يسمونا الناس أخدام لان بشرتنا سوداء ونتحمل الشمس والجو والغبار والأمراض ومناعتنا قوية ولا يضرنا شيء بإذن الله ولم يصب المرض أحد منا”.
يقول عبدالرحمن ” 40 عاماً “: ” أحنا عايشين ومتعايشين مع الأمراض من زمان مش من الآن، يعني أيش عيجي يفعل كورونا، من زمان وأحنا بلا بيوت وهي مجرد عشوائيات وخيام وبلا ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي ودائماً واحنا مع الأمراض بكل أنواعه وقاومنها كلها، من أجل نعيش” وعن الحجر الصحي والوضع الحالي يضيف: ” أحنا لا ينفع معانا الحجر ولا نخاف من أي مرض وأجسادنا أصبحت متعودة على كل الأوبئة والأمراض”
يضيف شخص آخر كان بجواره ضاحكاً ” حتى لو يفحصونا أحنا بجهاز الحرارة حرارتنا مرتفعة دائماً، ومرة وقفوني في نقطة دخول المدينة ليقيسوا درجتي حرارتي بالجهاز ورفضت وعملنا مشكلة، وقالوا هذي إجراءات لمواجهة الوباء، قلت لهم أحنا حرارتنا مرتفعة دائماً ونعيش تحت الشمس ونتحمل أي درجة من درجات الحرارة، بعدين تفحصونا تقولوا درجة حرارة مرتفعة وتحتجزوني وذهبت دون الكشف عليا بعد أن أقنعتهم، ولكن الصدق لم يهتموا أكثر لأمري لأني حسب قول أحدهم هو الا خادم” (أي من طبقة المهمشين ذو البشرة السوداء).
سميحة أم لولدين تتسول بهما وهي تلبس كمامة دون أولادها، عندما سألناها عن وضعها ووضع أولادها ولماذا تلبس الكمامة ولا يلبسون أولادها، قالت: ” هذي جابها واحد لي من الي أطلب منهم المال، وما جبتها لعيالي لا نها واحده عيتضاربوا عليها ” ” وضحكت ” ثم واصلت حديثها: المرض هذا هو كذب لا تصدقوا يشتوا يفجعوا الناس بس، وقد جاءوا لعندنا منظمة لشعبة الأخدام (مكان سكن فئة ذو البشرة السوداء) ووزعوا صابون وفجعونا ولا حصل شي”.
جميل يعمل في خياط الأحذية ” أسكافي ” على قارعة الطريق ويتناول الطعام دون غسل يديه رغم العمل بهما وهو يمسك الحذاء تلو الآخر ويخيط هذا وذاك وعلى يده طبقات من الأتربة والأوساخ، ولكنه غير مبالي، وعندما تحدثنا إليه أجابنا بقوله: ” أيش من مرض وأيش من كورونا، قد جاء الكوليرا وكم أصاب الناس وكم مرضوا وماتوا وأحنا ولا بيننا شيء، أحنا يكفينا الي فينا قده أكبر مرض وقدحنا مشردين مبهذلين عايشين بالبركة مش ناقصنا لا فيروسات ولا شيء “
تأخذنا فدوى ” 41 سنة ” أم لأربعة أطفال، نحو مكان عيشها ” خيمة يتطلب دخولها انحناء الرأس ” نحن نتسول لكي نأكل ونشرب ونعيش وزوجي يعمل في النظافة ولكن لا تكفي أجوره لكل متطلباتنا.

• انخراط

في اليوم التالي قرر ثلاثة من فريق إب7 press المكوث يوما برفقة مجموعة من الاسر في حي تابع للمهمشين أغلب منازله مصنوعة من الطرابيل ” الخيام ” العازلة للمطر وبقايا السيارات المتهالكة، تحدثنا معهم وعشنا قليلاً من بعض أوجاعهم وحينما سألناهم عن جائحة فايروس كورونا أنكروا وجود هذه الجائحة قائلين: هذا المرض غير موجود عندنا انتم فقط تبالغون في الشك والتوجس ولهذا تتعرضوا للمرض، نحن نمرض ونقوم ولا نشعر بشي ” مابش كورونا ولاشي “.
وتضيف إحدى الساكنات هناك هذا الكورونا لم يصيبنا ولن يصيبنا ولكن الأكثر فتكاً بنا هو الجوع الذي بسببه قد نموت فمعظم الأعمال توقفت خوفاً من هذا الفيروس الغير موجود.
وتدخل في الخط أم علي – بعد ان وضعت لنا ثلاثة اكواب زجاجية من الشاهي – نحن نعيش في منزل مكون من ثلاث غرف ودعتنا لرؤيته، لقد كان منزل شبيه بالقبو، غرف لا تستطيع رفع رأسك فيها من شدة انخفاض سطحها يعيش في المنزل أب وأم وثلاثة أولاد وزوجاتهم وخمسة أطفالهم وأختين لهما أحدهما معاقة مصابة بضمور في الدماغ، وثلاثة إخوة للأم لآن المنزل منزل والد الأم أي أنه منزل لثلاثة الأولاد الصغار والأم ويعمل ولديها في البلدية وأخر عاطل عن العمل، رغم بساطة معيشتهم إلا أن معاناتهم أكبر بكثير من فايروس كورونا فمجرد أن يأتيهم أحد من ذوي البشرة البيضاء ويصافحهم تجدهم يبتسمون ويشعرون بأنهم منتمين للإنسانية فعلاً .

• إحصاءات

يقول نعمان الحذيفي رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين وممثلهم سابقاً في مؤتمر الحوار الوطني “لو انتشر الوباء بيننا فسوف تتحول تجمعاتنا إلى مقابر جماعية”
لا تتوفّر إحصاءات رسمية في اليمن حول فئة “المهمّشين”، إلا أنّ منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” قدّرت في تقارير صادرة عنها أنّ هؤلاء يمثّلون نحو 10 في المائة من سكان اليمن، أي نحو 2.6 مليون شخص، في حين تشير إحصائية سابقة صادرة عن اتحاد المهمّشين اليمنيين إلى أنّ عددهم في البلاد يقدّر بنحو 3.3 ملايين شخص، أي ما نسبته 11 في المائة من إجمالي عدد السكان.

• مواثيق

يذكر أن اليمن صادق على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وهو ملزم باحترامها، الإعـلان العالمي لحقوق الإنسان يعلن أن البشر يولدون جميعاً ً أحـراراً ومتسـاوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المقررة فيه، دون أي تمييز لا سيما بسبب العراق أو اللون أو الأصل القومي، وإذ ترى أن جميع البشر متساوون أمام القانون ولهم حق متساوٍ في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز ، يؤكد إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصـادر في ٢٠ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٦٣ رسمياً على ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكافة أشكاله ومظاهره، وضرورة تأمين فهم كرامة الشخص الإنساني واحترامها.

• مخاوف أممية

قالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين «إن اليمن وبعد خمس سنوات من الصراع لا تزال تمثل أكبر أزمة إنسانية في العالم، مع وجود أكثر من 24 مليون شخص ممن هم بحاجة للمساعدة، وأكثر من 3.6 مليون شخص في عداد النازحين».
وحذرة مفوضية اللاجئين «أن تتعرض المجتمعات النازحة والمهمشة لمخاطر متزايدة في حالة تفشي فيروس كورونا، نظرًا لوضعهم غير المستقر وظروفهم المعيشية والصحية المزرية».
وتقول مديرة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن والعراق والأردن كارولين سيغين لوكالة فرنس برس «إن أغلب اليمنيين لا يمكنهم الحصول على مياه نظيفة، وبعضهم لا يمكنهم الحصول على الصابون» وسألت «يمكننا أن نوصي بغسل اليدين، ولكن ماذا لو لم يكن لديك أي شيء لتغسل يديك به».

• الرؤية الحكومية لمواجهة الوباء ودور المنظمات

يقول أحد أعضاء اللجنة الفرعية لمواجهة وباء كورونا، فضل عدم ذكر اسمه، ان دور الحكومة لم يكن بحجم الوباء وان اللجنة الفرعية بالمحافظة لا تمتلك ميزانية تشغيلية وليس لديها موارد كافية لعمل التعقيمات والاجراءات الاحترازية الاخرى للفئات العامة بالمحافظة ناهيك عن الفئات المهمشة ، واضاف العضو : لكننا عند اجراءات الحظر التجريبي راعينا ضبط المناطق التي تقطن فيها تلك الفئة وشددت إجراءات الحظر وقمنا بعمل الرش والتعليم في بعضها.
وعند سؤاله حول دور مكتب الصحة، رد بأن مكتب الصحة يعد عضو في اللجنة الفرعية لمواجهة الوباء ودوره ضعيف للغاية لنفس الأسباب، لكنه – حد قوله – جهز مركز عزل حديث في منطقة السحول يحتوي على أكثر من مائة سرير وعلى نفقة التجار وفاعلي الخير وعبر علاقة مكتب الصحة بالمحافظة مع الشخصيات الاجتماعية، مؤكدا أنه سيستقبل الحالات الحرجة حتى من ذوي الفئات المهمشة.
ويعلق ناشط إعلامي بارز يعمل متعاقدا مع أحد المكاتب الحكومية بالمحافظة على تصريح عضو اللجنة الفرعية ان لا اساس له من الصحة ولم يحدث أن تم تعقيم اي منطقة وجود للفئات المهمشة وان بعض المستشفيات الحكومية ترفض استقبال مرضاهم وأنه يثق تماما ان مركز العزل لن يستقبل مهمشا واحدا.
وفي المقابل تقف المنظمات الإنسانية بعيدة عن تلك الفئة وعاجزة عن تقديم أية معونة طبية تذكر، ويبدو أن لديها حساباتها الخاصة وقد توجهنا لمسؤول رفيع يعمل في إحدى المنظمات بالمحافظة فكان رده مخيب للآمال، إذ تحجج بسرية المعلومات وامتنع عن اعطاءنا حتى مؤشرات أو نماذج تدخل منظمته لمساندة هذه الفئة بالرغم انه يعمل بمنظمة دولية لها سمعة وثقل كبير.

• انتصار وهمي

يفر الجيل الحالي من توصيف ” خادم ” إلى أقل مستوى اجتماعي ” مهمش ” وهو بهذا التوصيف الأخير يشعر بتجاوز العقدة وخروجه من قائمة التمييز العنصري نسبيا بيد ان كل التوصيفات مهينة وغير أخلاقية البتة.

• غرائب

من الأشياء المثيرة في حياة هذه الأقلية ان لا أحد في المدينة قد شاهد جثمان أو جنازة لمتوفي منهم، وهناك رواية يتداولها الناس في الشارع أنهم يقومون بدفن موتاهم تحت خيامهم وعندما سألنا أحدهم نفى الرواية وراوغ في الإجابة.

• تمييز آخر

في مدينة إب وباقي اليمن ثمة تمييز اخر يمارسه ذوي البشرة البيضاء فيما بينهم، ويعتمد هذا التمييز وهو تاريخي على نوعية المهنة، ويقال عنهم بالمفهوم القبلي المتخلف ” قليلي أصل ” مثل الجزارين، الحلاقين، بائعي ” الخضرة”، وكذلك من يعمل اسكافيا كل هؤلاء يتعرضوا لتمييز شديد حيث لا يتم الارتباط معهم بالزواج ويمارس المجتمع في حقهم تمييزا اجتماعيا غريبا.

• ختاما

بشرة سوداء وشعر أجعد تحيل إنسان إلى مهمش، لا أرض ولا وظيفة ولا حقوق، يسجن فلا صوت له. تسجن المهمشة الشابة فتخرج مغتصبة وفي الأسواق والشوارع والمزارع والطرق يتم اغتصاب المهمشات وتعنيفهن واستغلالهن ولا قانون يقف إلى صفوفهن، وكذلك اطفال المهمشين يتم اغتصابهم واذلالهم واستخدامهم في امور غير اخلاقية، بل ومن قُتل يذهب دمه سدى..
المهمشون في اليمن ضحايا النظام القبلي التقليدي المتخلف، وفساد أنظمة الحكم، وتواطؤ النخبة والشريحة المثقفة التي انحازت لأصلها الاجتماعي.
المهمشين هم يمنيون منذ قرون وهذا النمط المخجل في التعامل معهم يكشف حجم وزيف المجتمع وإيمانه السطحي فالإسلام دين الدولة يؤكد في نصوص مقدسة انه لا فرق بين عربي او أعجمي الا بالتقوى لكن ما يحدث على الارض مختلف تماما ولهذا فنحن بحاحة الة مراجعة حقيقية لمدى ايماننا المطلق بديننا وحقيقية تنظيراتنا واطروحاتنا المدنية عن الحقوق والحريات.