#إبpress7
سماح عملاق
بالتزامن مع احتجاجات الشعب الأميركي وعدّة شعوب أخرى ضد تعسفات الشرطة مع المواطنين السود من أصول إفريقية، وفي اللحظة التي ينتفض فيها العالم تحت شعارٍ مفاده بالعربية (حياةُ السود مهمة)..
هنا في اليمن -بقعةٌ جغرافيةٌ منسيّةٌ من سجلات الأحداث العالمية- حيث تتكرر فيها صورة “جورج فلويد” عشرات المرات يوميًا قبل أن يستجدي الشرطي “ديريك شوفين” قائلًا:”l can’t breathe”،أي “لا أستطيع التنفس”.
• فئةٌ عريضة في خطر
في مجاري السيول، وأعالي الجبال، وأجواف الأنفاق وخلف الجسور تتناثر في “إب” شريحةٌ عريضةٌ من المواطنين السود الذين يعرفون بـ”فئة الأخدام” أحيانًا، وبتهذيبٍ يُطلق عليهم بـ”المهمشين” حينًا آخر. لكن هؤلاء لا يشكون قسوة الشرطة في مواقفٍ عابرةٍ -مقصودةٍ أو غيرَ مقصودة- كوضع مواطني الولايات المتحدة؛ فأقدام الشرطة هنا أكثر انشغالًا من أن تطأ على رقبة أحدهم في بلدٍ طحنته الحروب، وتكالب عليه الأعداء من كل صوب.
ووفقاً لتقديرات الاتحاد الوطني للمهمشين فإنهم يشكلون ما يزيد عن 3 ملايين مواطن ضمن آخر إحصائيات التعداد السكاني لعام 2018 أي حوالي 12% من إجمالي عدد السكان باليمن، ومهمشو محافظة إب يقدّرون بما يربو على 5% من إجمالي مهمشي اليمن لاسيما بعد الحرب وحركات النزوح التي تشهدها المحافظة.
وبهجمةِ آخر وأخطر أعداء البشر المشؤومة لهذا البلد المنكوب فإن فئة “المهمشين” على شفا هلاكٍ وشيك؛ كونهم لايفقهون أبجدية الوقاية منهُ بل لم يسمعوا بفيروسٍ لعينٍ يهدد حياتهم باسم “كورونا” أو “كوفيد-19”.
• كورونا ومكرونة
“هنية” سيدة ثلاثينية وأم لخمسة أطفال تسكن خيمةً في إحدى روابي “سائلة جبلة” تقول لـ”إبpress7″: “بعد غرق زوجي في الفيضان ماعد تهمني الحياة من الموت إلا عشان أولادي الصغار، وسعما تبصري يابنتي معانا هذي الخيمة نرقعها بملابس المحسنين، لاتكنن من مطر ولا تدفئ من برد”.
جسستُ نبضها حول جائحة كورونا وجدتها لم تسمع عنه بالمرة فسألتني: “مكرونة؟!.. أووه منو شحصله قد الواحدة المكرونة ب400 ريال ومدري”.
وجدتُها وكافة جيرانها دون التزام بأدنى سبل الوقاية من المرض، مياههم ملوثة من أرضية السائلة، يستخدمونها في كافة أمور حياتهم.
تغذيتهم سيئة، ويختلطون ببعضهم دون مسافاتٍ تُذكر إلا في حالة الهروب من عقابٍ لذنب.
• عالم مستقل
يقول عبده -إسكافي في مخيم للمهمشين خلف فندق الفخامة بمدينة إب- :”طول عمرنا عايشين بعالم وحدنا ، لا ثقافة لاتعليم، لا أكل طُعيم، ولا شرب نظيف، حتى مياه الصرف الصحي تمشي جنبنا ولاحد سائل علينا من المسؤولين، كم قد مرضنا وفقدنا من أولادنا وكم!!.. ماتوا عليّ ثلاثة من أطفالي خلال سنتين، وجاري عزيز ماتت بنته الصغيرة بالكوليرا وهو يجري بها من مستشفى لـ مستوصف ومحد قِبلهم. وبصراحة حتى لو انتشرت بيننا حالات لكورونا لا شنبلغ ولا شنعالج ولا شنخاف”.
تضيف زوجة عبده:” وفي حالة موتنا نرحل بصمت، وما نحصّل حتى دفنة كريمة، تخيلي لا يصلون على موتانا ولا يقبرونهم بمقابر المسلمين، خليها على ربك بس، المجتمع النذل هذا حاجر نفسه صحيًا ضدنا من زمان، ويهرب مننا كأننا احنا الوباء “.
• تداول أسري لكمامة واحدة
في طريق البحث التقيتُ ببضعة مهمشين أسفل جسر السياني.. رفض الجميع التصريح أو الإدلاء بأسمائهم لكنهم تحدثوا بصفة عامة عما تراه العين بجلاء.
يقول “ع. م. أ”: إن مجموعة شبابية أتتهم قبل عيد الفطر لتوعيتهم وتثقيفهم بما يخص “كوفيد_19″، لكنه يستنكر التوعية دون دعم يذكر قائلًا: نحن لا نجد المياه النظيفة لنشربها وهم ينصحوننا بغسل أيدينا بالماء والصابون، وزعوا لنا كمامات وقفازات طبية وتضاربوا عليهن الجهال رجعنا أنا وأمهم عملنا جدول للكمامة، كل يوم لواحد، والبقية خبيناهن لوقت العوزة”.
• تحركات إنقاذ
منحت مخرَجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل هذه الفئة نسبة 10 % من أي تشكيل حكومي مقبل، وشجعت مساعٍ عدّة لإنشاء مجلس وزراء للمهمشين الشباب على مستوى اليمن، على غرار مجلس وزراء الشباب الذي يحاكي حكومات الظل، ما أيقظ آمالًا للمهمشين سواء بتكوين سياسي يضمن تمثيلهم الحكومي أو بنيلهم مكانة اجتماعية لا تقوم على التمييز اللوني أو العرقي أو العنصري.
ورغم الجهود الشكلية والاعتراف الحكومي بالمهمشين يذهب معظمهم للقول “إنها لاتزال حبرًا على ورق”؛ ففيما يخص الإجراءات المتخذة لمكافحة الوباء في أوساطهم أوضح مدير مكتب الاتحاد الوطني للمهمشين مرتضى الزكري لموقع “المشاهد نت” أن الاتحاد لا يقوم بأية إجراءات لمواجهة هذا الوباء.
وقال: “نحن حاليًا لا نقوم بأية وسائل خاصة بهذا الصدد كاتحاد للمهمشين، والأمر يخضع لسياسة السلطة القائمة في صنعاء”.
ولأن تحركات المنظمات الأجنبية لا تكفي وحدها لإنقاذهم فإن السلطات تحمل جانبًا أكبر من المسؤولية تجاههم سواءً الحوثيين في الشمال أو الشرعية في الجنوب؛ فهذه “المهام الإنسانية تستوجب تحييد الصراعات السياسية جانبًا لأجلها” وفق تقارير المنظمات الحقوقية في اليمن.
• مظلومية مزمنة
يعتبر ناشطو حقوق الإنسان “فئة المهمشين” من أعظم الفئات مظلوميةً وعرضةً للإصابة بهذا الوباء لعدة أسباب منها: التمييز العنصري، والعوائق الاجتماعية التي تحول دون حصولهم على المعلومات والخدمات والرعاية الصحية الملائمة، والاندماج الاجتماعي، والتعليم.
وبما أن الجهل هو الآفة العظمى بين فئة المهمشين فالأمر يستوجب جلسات تثقيفية وتوعوية دورية، وكذا التفاتة كريمة من السلطة المحلية لهذه الفئة المحرومة من أبسط حقوقها في العيش الكريم؛ كونهم يضرون أنفسهم، وسيشكلون عبئًا أكبر على مكتب الصحة في المحافظة حال انتشار جائحة كورونا في أوساطهم.
• جهود محلية
بعد اعتذار مدير مكتب الصحة في محافظة إب لانشغاله، صرح الناطق الرسمي باسم مكتب الصحة د. عمران ناجي هاتفيًا بالقول:” إن مكتب الصحة قام بعدة نزولات ميدانية توعوية لهذه الفئة، وقام المكتب بتوزيع ما يقارب “2822” كرتونًا للصابون بين مهمشي مديرية المشنة بمنطقة الشعب، ومهمشي سائلة جبلة، والسحول.
وقال: “إن مكتب الصحة بالمحافظة يسجل الحالات حسب اسم المريض لا أكثر دون تمييز؛ لذلك لا توجد إحصائيات خاصة بالمهمشين”.
كما أكد بأن المكتب يمنح أولوياته للفئات المهمشة، والمسحوقة، والأكثر فقرًا في المجتمع حسب توجيهات وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء، وقد تم توجيه جميع المستشفيات العامة والخاصة في “إب”-مؤخرًا- لتخصيص غرف عزل خاصة لمرضى كورونا بعد اعتماد مستشفى جبلة التخصصي كمستشفى معياري ومجهز لاستقبال الحالات.
وفند عمران ما أسماها بالإشاعات المغرضة الصفراء لأصحاب الأقلام المأجورة التي تتحدث عن وجود “إبر الرحمة”، وقال:” إنها تهدف لتقويض جهود مكتب الصحة في مكافحة الوباء”، كما دعا المواطنين إلى الوثوق بأطباء مستشفى جبلة والذين يعملون ليل نهار باستبسال منقطع النظير لخدمة أبناء المحافظة
وأشار إلى إمكانية التواصل مع المكتب على رقم البلاغات والشكاوى “195” حال التعرض لأي ابتزاز أو إهانة أو تقصير من كوادر المحافظة الطبية.
كما طمأن الجميع بأن فايروس كورونا في انحسار، وعما قريب ستعود الحياة للمحافظة بشكلٍ طبيعي.
• ليست “إب” وحدها
لا يمكننا إغفال بقية المنسيين من المهمشين في عموم محافظات الجمهورية ولاسيما مهمشي محافظة حجة الذين يقعون فريسةً للمرض، والجوع، وبرد الشتاء، وقيظ الصيف؛ فقد صرحت مديرة منظمة أطباء بلا حدود في اليمن والعراق والأردن “كارولين سيغين” لوكالة “فرانس برس” قائلة:”إن أغلب اليمنيين لا يحصلون على مياه نظيفة، وبعضهم لا يستخدمون الصابون”.
وأضافت سيغين: “يمكننا أن نوصي بغسل اليدين، ولكن ماذا لو لم يكن لديك أي شيء لتغسل يديك به؟!”.