“المرأة الريفية” .. جسد مقتول بالمشقة وعناء جلب الماء

 

إب7برس Ibb7press
أسامة عبد الرقيب

 

تعيش المرأة الريفية في محافظة إب بين الأحلام والخيبة والعذاب المفروض عليها منذ أن وجدت على الأرض، ففيما تتجه المرأة العالمية نحو التطور والمشاركة بنهوض وتطور البلدان، تعيش نساء اليمن في القرى حالمات بالاستيقاظ مبكرا على مياه متوفرة ومشروع مياه يرفع عن كاهلهن المشقة التي يتعرضن لها كل يوم.

 

لا يصدح صوت المؤذن في القرى إلا والنساء قد استيقظن وجهزن أدوات جلب المياه، ثم يخرجن على عجلة إلى أسفل القرية أو القرى البعيدة، ويبدأن بالتجمع ويتجهن نحو مورد المياه على شكل أسراب متتالية برفقة الحمير الذين يتمتعون بقوة وصلابة وكأنهن خيول متأهبات لخوض معركة مصيرية عنوانها سرعة العودة والظفر بمياه نقية صالحة للشرب.

 

  • ثلاثة كيلو

وهبية أحمد (20 عام) تستيقظ كل يوم عند الساعة الثالثة فجرًا، تعتلي حمارها وتتجه نحو البير الذي يبعد عنهم بـ 3 كليو، لتاتي بالماء بما يكفيهن هي وجدتها بعد أن توفي والداها وتزوجت أمها، فتربت عند جدتها لتصبح لها كل شيء في هذه الحياة، ولا تكتفي وهبية بحمولة الحمار الذي يحمل 12 جالون بلاستيكي عبوة 5 لتر أي ما يعادل 60 لتر، بل أنها تضيف على رأسها دبة عبوة 20 لتر وتعود عند السابعة صباحًا لتساعد جدتها في إعداد طعام الإفطار، ثم تتجه بعدها إلى المرعى برفقة أغنامها والاتي يعتبرن مصدر دخلهن الوحيد.

 

لا يختلف الحال لدى عائشة (15 عام ) التي تقضي جل يومها متنقلة بين البير والمنزل بعد إن تركت المدرسة، وانشغلت بجلب الماء لأسرتها، ولا تقتصر عن جلب المياه لأسرتها فقط ففي الصباح لأسرتها وبعد الظهر لبعض الأسر من أجل مقابل زهيد لتساعد أسرتها في توفير بعض الاحتياجات الضرورية.

 

  • مياه ملوثة

تختلف المعاناة من قرية إلى أخرى في ريف محافظة إب الجبلية، ففي بعض القرى تكون المياه المتواجدة فيه غير صالحة للشرب، وإنما يستخدمونها لسقاية الأنعام فيضطرون للذهاب لأماكن بعيدة، مرورا بجبال وعرة وطرق غير ممهدة لجلب مياه نقية صالحة للشرب.

 

منطقة القفارية إحدى عزل العاقبة التابعة لمديرية فرع العدين تعاني من جفاف شديد في فصل الشتاء لعدم وجود الأمطار في هذا الفصل مما يؤدي إلى شحة في موارد المياه وهذا الأمر جعل أهالي المنطقة يذهبون إلى أمكان بعيدة تقدر بـ 3 كيلو، أي ما يقارب مسافة 30 دقيقة وفي كثير من الأيام يصلون والمياه معكرة وغير صالحة للشرب بسبب كثرة الوافدين عليها فيضطرون إلى الانتظار حتى تصفى المياه ليتملؤوا اوانيهم ثم يعودون للمنزل بعد رحلة شاقة.

 

  • عشوائية الحفر

تراجعت المياه الجوفية في بعض المناطق اليمنية في السنوات الأخيرة، بسبب شحة الأمطار ونتيجة الحفر العشوائي للآبار، مما أدى إلى انقطاع المياه في بعض القرى وحسب تقارير صحفية نشرها موقع حلم أخضر بأنه يبلغ معدل سحب المياه الجوفية في البلاد حاليًا أكثر من ضعف نسبة التغذية مع وجود أكثر 800 حفار مياه، وأكثر من 100 ألف بئر تم حفر معظمها بشكل غير قانوني وعشوائي مما يؤدي إلى استنزاف احتياطات المياه في البلاد بالإضافة إلى عواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة.

 

لم تكن الحرب وحدها من تقتل الناس فالآبار تعد سلاحًا فتاكًا وخطرًا يهدد حياة المواطنين نتيجة لطريقة الحفر وعدم وجود حائط مرتفع يقي الناس من السقوط مما يجعل الاشخاص لقمة سهلة للموت المفاجئ في الآبار.

 

  • انقاذ متأخر

ندى (15 عام) كانت عائدة من المدرسة نحو البيت عند الساعة العاشرة، لتذهب بعدها لجلب مياه للحيوانات من البير الذي يقع في أسفل القرية، وبدأت تتمازح مع صديقتها وتبادلها أطراف الحوار وتحكي لها عما حصل لها في المدرسة وفجأة وهي تسحب دلو الماء التوى الحبل على رجلها فسقطت في البير ولم يكن بجوارها سوى صديقتها، والتي لم تستطيع أن تفعل لها شيئًا سوى العويل وطلب المساعدة من الأهالي الذين يقطنون حول البير، وقد سمعوها وهبوا لنجدتها، وحاولوا انقاذ الفتاة العالقة في البير، لكن لم يصلوا إلا وقد فارقت الحياة.

 

لم تكن ندى هي الوحيدة التي فارقت الحياة بسبب الآبار حاول معد التقرير الحصول على إحصائيات ولكنه لم يحصل على أي إحصائية، إلى أن هناك عدد مهول تعرضن للموت بالطريقة نفسها، ولم ينحو منهن سوى القليل وحتى الاتي نجت منهن تركن عقولهن وعافيتهن في الماء الذي سقطن فيه وفقدان حياتهن جراء الصدمة النفسية وقتذاك.

 

  • سقوط وانفصال

” ن . ن 38 عام”،  أم لثلاثة أطفال، تذهب إلى البئر الذي يقع تحت منزلها لتجلب المياه كما تفعل كل يوم وترد على صديقاتها تحية الصباح، ويتبادلن الحوار حول كل ما فعلته من إنجاز في اليوم الأول، ودائمًا عند تعبئة المياه يكلمن ذلك الحديث، وفي أحد الأيام وبينما هي على شرفة البئر لدلو المياه انزلقت قدمها بسبب الطحالب الراسبة على شرفة البئر والتي تتكون عادة بسب المياه التي تتساقط من الدلو أثناء عملية رفع المياه، وسقطت على إثره إلى أسفل البئر، مما أدى إلى كسر في رجلها وارتجاج في عقلها، اثر على حياتها الزوجية و انفصالها عن زوجها وها هي تأتي السنة الثامنة وهي لا تزال فاقدة لعقلها ولا تعرف حتى أبناءها وتعيش في منزل والداها ولا تستطيع فعل أي شيء سوى النوم طوال الوقت.

 

تبدوا مأسي وقصص جلب الماء بالنسبة للأنثى في ريف محافظة إب أشبه بالدراما السوداء، والواقع الذي عبر فوق معاني كلمات البؤس والحرمان، بيد أن بصيص أمل لاح خلال الفترة الماضية تمثل بالمبادرات المجتمعية والحملات الفيسبوكية المنظمة وقد أثمرت تلك المبادرات وقامت تلك الحملات بتنفيذ العديد من المشاريع الخيرية في الطرقات والمياه وعلى نفقة متبرعين من المغتربين ورجال الأعمال وفاعلي الخير.