رويدا .. نضال وحلم

إب7 press
بغداد المرادي

 

” رويدا ” إحدى نساء محافظة إب المكافحات، تسعى وبهمة عالية لكسب لقمة العيش الكريم لمواجهة تقلبات الحياة القاسية التي عاشتها وتعيشها مثيلاتها في هذه المحافظة.

 

تستقبل زبوناتها على الدوام بوجه بشوش ورحابة صدر وسعة صبر، ممن يأتين للتزين وعمل الميك أب أو تسريحات الشعر، والخياطة والتطريز وغيرها من الأعمال الفنية والخبرات والتدابير التي برعت فيها البعداني في محافظة إب.

 

لفت إحدى الزائرات المكان، عندما كنت أهم بالمغادرة، حينها جذبني حديثهن المطول عن حياتها وعن تجربة ” رويدا ” مع كل ما مر بحياتها، فقررت عندها تأجيل موعدي لليوم التالي لكني أحببت الجلوس ومشاطرتهن أطراف الحديث.

 

تبادر الزائرة “لرويدا” التي كان يبدو عليها متوترة نوعا فقد كانت ترسم النقش لها بدقة وتركيز كبيرين، قائلة: “يوه يا رويدا كم أتمنى أن أكون مثلك كل النسوان يحببنك ويعجبن بشغلك وخياطك، أمانتك كيف عملتي لما وصلتي لهذا المستوى؟؟!”

 

بابتسامة عريضة ممزوجة بالسعادة والرضا تخالطها مرارة ما مرت به طوال اثنان وعشرون عاماً تجيب رويدا عن سؤال الزائرة لها، بعد أخذها لنفس عميق شد شجوني إلى ما ستقوله، ” كنت في عمر الحادي عشر عاما عندما قرر والدي رحمه الله أن يزوجني ممن تقدم لخطبتي في ذلك السن، وقد كنت حينذاك ألعب، ولا أعلم ما هو الزواج وما دخلي به إلى أن تزوجت وغادرت منزل والدي وأنا أبحث عن لعبتي لآخذها معي، وحملت حملا مبكرا أيضاً لدرجة أن الطبيبة المختصة التي ذهبت لإجراء الفحوصات اللازمة أنبتني وصرخت بوجهي استغرابا هل أنا متزوجة بهذا السن والأدهى من ذلك حملت ..؟!جعلتني أبكي كطفلة أخذوا لعبتها من بين يديها، ولن أنسى ذلك ما حييت ..! “.

 

وتكمل تفاصيل قصتها بأن زوجها كان يعمل حمالا تنتظر عودته منذ الصباح الباكر إلى الظهيرة دون أن تأكل شيئاً فكانت تجميع بين وجبتي الافطار والغداء نظراً للدخل المحدود الذي كان يحصل عليه زوجها، ” كنت أعيش في بيت سقفه الأخشاب، إن أمطرت انزوينا وانحصرنا في زاوية لا تسعنا جراء هطول الأمطار من سقف المنزل علينا، لقد كنت أنام على الأرض وألتحف “المعوز” لا تغطى به وأنام مع أطفالي الصغار والسبب هو أبي…! أخذ منا كل شي. أبي….تتذكره بحرقه وألم شديد يتبعه بكاء ورحمات عليه”.

 

تواصل حديثها حول ما عانته من ظلم أبيها وتعنيفه لها حتى بعد الزواج، “وتعنيفه لي بعد زواجي جعلني اتجرع السم للانتحار مرات عدة فقد كان يقسوا علي تارة بالكلام السيئ وتارة بالركل على بطني وأنا حامل”…! وأخرى بافتعاله المشاكل مع زوجي ليخرجني منه بالقوة …!”.

 

تتذكر ” رويدا ” أحد المواقف التي مرت بها بدمع وقلب منكسر كأنما اغشيت من الحزن فقلبها  كظيم إذ تسرد الموقف بحرقة قائلة ” أحد إخوتي لم يكن رجلاً صالحاً للأبوة أبدا، تزوج وأنجبت زوجته طفلة في المستشفى تركوها بعد خلاف نشب بينهما أفضى إلى الطلاق وترك الطفلة دون معيل، وقد كفلتها أنا وجعلتها كأحد أولادي الستة، خمسة من البنين وبنت كفلتها  منذ السويعات  الأولى لها، واحتضنتها وتكفلت بكامل مصاريفها من حليب وحفاظات ومأكل ومشرب وملبس لفترة ثلاثة أعوام ونصف العام ليعود أباها بإطلاق النار على منزلي وأخذها بالقوة رغم أن هناك اوراق حكومية تثبت تنازله عن الطفلة رسمياً، لكنهم أخذوها عنوة وغصبا عني “، وتستطرد” تلك قصة ولت في حال سبيلها وسيجازي الله كلا بعمله “.

 

وتستكمل “رويدا ” جملة من المواقف التي مرت بها فتقول: ” عند ولادتي بطفلي الثاني بعدها بأسبوع واحد أتت إلي امرأة لا تعلم بأنني حديثة الولادة، تود أن أعمل لها النقش الخاص “بالخضاب”، ومع ذلك عملت ما جاءت لأجله لأسد احتياجات الرضيع، عملت بعدها بالخياطة وذاع صيتي عبرها، واستعطت من خلالها شراء ما تبقى من زجاج النوافذ للبيت لأننا كنا نغطي تلك النوافذ بـ ” الكراتين “.

 

بعد تحسن معيشتها وازدياد دخلها من خلال عملها في الخياطة والتجميل أكملت تعليم أطفالها في مدارس خاصة، لكنها لتردي الأوضاع الاقتصادية في الآونة الأخيرة وعدم مقدرتها على تسديد الرسوم الخاصة بالمدارس الأهلية اضطرت لسحب ملفات أبنائها وتحويلهم إلى مدارس حكومية، وما تزال تعمل بجد واجتهاد لتوفير المبلغ المطلوب للرسوم.

 

مرض زوجها بانزلاق غضروفي في العمود الفقري مما أدى إلى تقيده وعدم خروجه للعمل لفترة طويلة، إضافة إلى ذلك انقطاع راتبه الشهري جراء الأوضاع الاقتصادية الحالية ط، فاضطررت للعمل والكد على حساب صحتها وراحتها وحتى تفي بالتزامات بيتها، وتكمل رسالتها بالحياة بكل انفة وشموخ.

 

” عانيت من قساوة الزمن والأهل وظروف الحياة البئيسة التي جعلتني ولا زلت أؤمن بأن القادم سيكون أفضل من مررت به طوال حياتي “.

 

تحلم “رويدا” بالسفر لبلد أجنبي تنسى فيه كل معاناتها سابقا ولاحقاً، حتى أنها لا تكاد تنام الليل ولا ترتاح النهار لما ترتب عليه وضعها وصحتها المتدهورة بسبب التأثيرات النفسية الناتجة عن المشكلات والمآسي التي مرت بها طوال حياتها.

 

في محافظة إب أغلب قضايا ومشاكل وهموم النساء منسية، أو أنها لا تستحق الاهتمام، تلك النظرة الذكورية الفجة والانحياز الغير عادل لجملة المعتقدات القبلية يسهم بشكل سلبي لتهميش وإلغاء دور المرأة في المجتمع ويحد من نشاطها وتفاعلاتها العامة ويؤثر على بنية المجتمع ويجعله ” مخلخلا ” وهشا وقابل للانهيار.