إبpress7
سماح عملاق

 

“ماكاناش بنتي رغد داريه بخاتمة زواجه هذا، ولو فهمه صياحي مع أبيه عشانه ماكاناش شتموت واهي ولاد.. خيرة الله فوق كل خيرة”.

بهذه الكلمات التعيسة قابلتنا أم رغد، وهي تخفي سيلًا من دموعها المكبوتة قسرًا.

تزوجت رغد (12) عامًا برجلٍ خمسيني بتاريخ 17/11/2017ومع أن عمر الزواج ثلاث سنوات لم تحبل رغد إلا بعد مرور عامين من زواجها كونها تزوجت قبل بلوغها حد قول والدتها.

رغد مسعد أحمد (اسم مستعار) طفلةٌ من محافظة إب تقطن مع والديها وإخوانها السبعة في إحدى عزل مديرية مذيخرة على بعد 40 كيلو مترًا غرب المحافظة، ويعمل والدها كعامل بناء في نواحٍ متفرقة من البلاد، ووالدتها ربة بيتٍ أميّةٍ بسيطة.

 

  • من المدرسة إلى قبر الزوجية

لم تُرغم رغد على ترك المدرسة قبل نيل الشهادة الابتدائية والارتباط برجلٍ عجوز كما هو متوقّع لكنها تعرضت للإغراء بالملابس والألعاب؛ الأمر الذي جعلها تتزوج بسعادة وهي تتقفز فرحًا في عرسها وسط إشفاق الحاضرات من الأمهات.

تقول أم رغد: “أبوها كان يقول لي الزواج برضاها مش بالغصب، وأني أقول له عاد البنية جاهلة ماتعرفش مصلحته، البنت طفلة ولازم تكمل تعليمه، وتحملت الإهانة والضرب عشان بنتي اللي وقفت ضدي وسمعت كلام الأب، صح هو قدرها لكن ذنبها برقبته”.

تتحسر الأم، وتلفظ زفرةً تلو الأخرى بحضوري، كما تحمل غلًّا دفينًا في صدرها لزوجها الذي اضطر لتزويج ابنته؛ كي يقضي ديونه كما تقول.

 

  • إفاقة مؤقتة 

بعد وفاة الطفلة رغد في صدمةٍ كبيرة شهدتها القرية ظهيرة الاثنين الموافق 14/يوليو /2020 توقفت عدة زيجات لفتياتٍ قُصّر لم يبلغن الحلم بعد، خوفًا من نفس المصير.

يقول الأستاذ محمد مسعد أحمد وهو معلم في مدرسة رغد الابتدائية وأخصائي في علم الاجتماع: “بعد وفاة رغد فسخت معظم الخطوبات للأطفال تحت سن الـ 15، وهذه بحد ذاتها بادرة خير، كما نتطلع لقرارات حكيمة يتخذها مشايخ المنطقة وأعيانها الاجتماعية بعقد اتفاقية بين أولياء الأمور لتحديد سن الزواج كما ينص الدستور اليمني وبالأصح الالتزام به”

ويستدرك الأستاذ محمد بخيبة أمل: “لكن المشكلة كلما تفتح الموضوع بمقيل قات مثلًا تجد أن الأغلب يقف ضدك بحجة إن كل أب أدرى بمصلحة بنته، وهذا قدر وما للمرة إلا زوجها والقبر.. إلى مالانهاية من الردود والأفكار السلبية “.

وتظل عملية إحجام الأهالي -ولو مؤقتًا- نافذة أملٍ كبيرة من وجهة نظر معلم رغد.

 

  • حلٌ أقبح من مشكلة

قبل ثلاثة أشهر وبضع أيام تقرر تزويج أخت الفقيدة رغد الأصغر منها (11) عامًا بصهرها قسرًا؛ بهدف تربية ابن أختها اليتيم بين أطرٍ شرعيةٍ تجمع الطفل بوالده بعد رفضه تسليم الطفل لإحدى جدّاته.

تعاملت رهف ووالدتها الحزينة مع حفل الزفاف كجنازةٍ، على العكس من أختها الكبيرة التي كانت ضحكتها الطفولية تصدح في أرجاء المنزل.

 

تقول رهف باقتضاب في المركز الصحي وهي تأخذ للطفل لقاحه:”مشتيش أموت، كفاية أختي ماتت لأنها تزوجه واهي صغيرة، كانوا يدوا لي ابن أختي شاربيه ببيت أبي “.

تهربت رغد من المراسِلة خوفًا من زوجها، لكنها طالبت بنشر قضيتها دون الإفصاح عن هويتها وهوية عائلتها، وبهمسٍ ختمت الحديث: “أني فدالك وصلي صوتي للناس، حاولي توعيهم، الجحيم أرحم من هذي العيشة- (مشيرةً إلى طفل أختها في حجرها ولزوجها الواقف بعيدًا في صالة الانتظار) – كل يوم أبصر الموت بعيوني وربي وحده يعلم بحالي وحال أمي”

 

  • رهف في نفس المنزل

من صوت رهف الطفولي المتقطع يتجلى الأسى، ويزداد ظهورًا حينما تقف بجانب رجلٍ بسن أبيها هنا أو هناك.

لم تقل رهف أكثر مما قالت لكن بعض النساء اللاتي التقيتُ بهنّ في نفس المنطقة أكدن حدوث انتهاك لطفولة الطفلة، وشهدن على تعنيف الطفلة وضربها من قبل زوجها.

 

تشهد أم زهدي (اسم مستعار) بعد ترجيها لنا بأن نخفي اسمها خوفًا من المشاكل.

“بحكم انحنا جيران الباب للباب، نسمع رهف تبكي وتقول (مله بسّي اقتلني وريحني)، وغالبًا نسمعها تعجعج وحيدة وتلعن عيشته وقدره اللي ودف به هذي الودافة، كما نلاحظ اختفاءه واعتزاله عنا لفترات طويلة تصل لأسابيع”

بعد برهة من التفكير تستنتج أم زهدي بجملة مفادها: “أني متأكدة إن زوجه يضربه ويعتدي عليه “.

بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهرٍ على زفاف رغد تزداد الطفلة هزالًا باستمرار، وكل دعوات أمها بأن لا تحمل سريعًا وأن يرفق بها زوجها.

 

  • واقعٌ مرير وقانونٌ مُجهَض

بالنظر لقاعدة البيانات التي نشرها معهد اليونسكو للإحصاء ولمسح اليونيسيف الأخير اللذان تقترب نتائجهما مع المسح التربوي الدوري لوزارة التربية والتعليم قبل الحرب 2012-2013 وجدنا أن معدلات التسرب بين الأولاد والفتيات تختلف حسب الصف الدراسي وترتفع في الصف السادس لسببٍ يرجّحه “التقرير القطري حول الأطفال خارج المدرسة” والمدعوم من منظمة اليونيسف بارتفاع نسبة تسرب الفتيات مقارنةً بالفتيان، ويوضح التقرير بأن الفتيات في الصف السادس أكثر عرضةً للتسرب من المدرسة بسبع مرات من الفتيان في الصف الأول أو الثاني خاصةً في عدة محافظات يمنية سردها التقرير في مقدمتها محافظة إب.

ويعتبر الفرق في معدل التسرب بين الأولاد والفتيان مهم إحصائيًا حيث يعود ذلك -في معظم الأحيان- لزواج الفتيات المبكر بمجرد حصولهنّ على الشهادة الابتدائية على أفضل تقدير، وذلك قبل بلوغهنّ السن القانوني الذي حدده الدستور اليمني في قانون الأحوال المدنية بعد تعديله الصادر عام2009 والذي حدد سن الزواج للأنثى بـ 17 عامًا بعد إثارته ارتياحًا وغضبًا باختلاف الشخوص والجهات.

وكان اتحاد نساء اليمن قد أشاد بالتعديلات على القانون بمجرد صدوره كما شهد ارتياحًا شعبيًا ومطالبات بالضغط على أولياء الأمور والضرب بيدٍ من حديد على كل من تسوّل له نفسه مخالفة القانون قبل إجهاضه.

 

  • مخالفاتٌ وحلمٌ لم يكتمل

كان قد قضى تعديل قانوني أقره البرلمان اليمني على قانون الأحوال الشخصية المحدد لسن الزواج بـ17 عامًا بعقوبة حبسٍ تصل لعامٍ كامل أو بغرامةٍ مالية تصل إلى مائة ألف ريال بحق كل شخص أعطاه القانون سلطة عقد الزواج وخالف الشرط الجديد.

 

كما شمل تعديل مادة تنص على معاقبة من أبرم العقد أو شهد عليه وهو يعلم أن “أحد طرفي العقد ذكرًا أو أنثى لم يبلغ السن المحددة” بالحبس ستة أشهر بالكثير أو بغرامة لا تتجاوز خمسين ألف ريال بمن فيهم أولياء الأمور.

 

لكن التشريع رغم التوافق لم يجد طريقه إلى الإقرار حسب توثيق لمنظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان؛ ففي مارس2010 أعاد برلمانيون طرح مشروع القانون وفجرت إحالته إلى لجنة التشريع في مجلس النواب اليمني جدلًا واسعًا حيث أصدرت بدورها وثيقة رافضة لتحديد سن أدنى للزواج معتبرة أن ذلك يتعارض مع القرآن والسنة والدستور ومصلحة الأطفال؛ الأمر الذي أدى لوأد مشروع القانون خلال تلك الجلسة البرلمانية وفقًا لتوثيق المنظمة.

 

وبهذا الصدد يقول أستاذ قانون الجنسية في جامعة تعز الدكتور ياسر محمد علي لـ(إبpress7):”إن القانون المعمول به حاليًا هو الوارد في قانون الأحوال الشخصية مادة (15) الصادر عام 2006 والذي ينص على مايلي: عقد ولي الصغيرة بها صحيح ولا يمكّن المعقود له من الدخول بها ولا تُزفّ إليه إلا بعد أن تكون صالحة للوطء ولو تجاوز عمرها خمس عشرة سنة، ولا يصح العقد للصغير إلا لثبوت مصلحته”.

 

  • طبيًا

تثبت دراسة صحية أعلنتها وزارة الصحة العامة والسكان لعدة محافظات بينها محافظة إب بأن أكثر من نصف المتزوجات فيما أقل من 20 عامًا تعرضن لمضاعفاتٍ صحيةٍ خطرة سردتها لـ(إبpress7) مشرفة الصحة الإنجابية في المحافظة الدكتورة عاقلة عبادي بقولها: “من أهم المضاعفات الصحية التي تتعرض لهن المتزوجات فيما أقل من 20 عامًا الصدمة النفسية والتمزقات المهبلية وبعض الفتيات خضعن للتدخل الجراحي لمعالجة المضاعفات وكذلك التهابات المسالك البولية والنزيف الذي يؤدي أحيانًا للوفاة “.

 

وأوضحت عبادي بأن الحمل قبل سن العشرين يكون محفوفًا بالمخاطر بسبب عدم اكتمال نمو عظام الحوض وعدم اكتمال النمو الطبيعي للفتاة، إضافة لما سبق فإن الفتاة قبل هذا العمر غير قادرة جسديًا ونفسيًا على تحمل أعباء الزواج وتربية الأطفال ورعايتهم.

 

وأوجزت الدكتورة عاقلة في ختام حديثها قائلةً: ” بما أن الجنين يعتمد على أمه الصغيرة في غذائه وتكامله ونمو عظامه فإن ذلك يؤثر سلبًا على أمه الصغيرة لأنها مازالت في طور النمو”.

وأشارت الدراسة السالف ذكرها إلى أن ما يقرب من ثلث الأمهات الصغيرات المترددات على المرافق الصحية في إب يعانين من فقر الدم (نسبة الهيموجلوبين أقل من 11جم/دل).

ومن أعظم أسباب فقر الدم حسب الدكتورة عاقلة ومختصين آخرين: “النزيف في أول ليلة للزواج وأثناء وما بعد الولادة، والإجهاضات، وسوء التغذية، والتمزق أثناء الولادة”.

وحسب أم رغد فقد توفيت رغد بسبب النزيف الذي تعرضت له أثناء ولادتها نتاج التمزق المهبلي في المنزل على يد قابلةٍ غير مدرّبة، ولبعد المسافة بينها وبين أقرب مشفى فارقت الحياة عقب الولادة قبل أن ترى طفلها الوليد.