إب7 press
شهدت محافظة إب في الآونة الأخيرة ارتفاع كبير بمعدل الانتحار، وأصبحت الظاهرة مخيفة جراء تعدد فئات المنتحرين، ففيما وجد أحد نزلاء السجن المركزي مشنوقا في دورة مياه، وجد كذلك أحد الأطباء منتحرا على شجرة في مديرية العدين.
الظاهرة تجاوزت المعقول، والأسباب تجاوزت الظروف الاقتصادية، والاجتماعية والنفسية، بل ووصلت لأسباب دينية وثقافية وضغط متعدد الجوانب والاتجاهات.
فريق #إب7_press قام بنزول ميداني استقصائي والتقى بصعوبة بالغة بأقارب ضحايا، واستمع كذلك لقصص اناس كانوا في طريقهم للانتحار، وسردوا قصصهم بوجع شديد، وتم عرض كل ذلك على مختصين نفسيين وأطباء في علم النفس.
تقول “غ .ع” البالغة من العمر 23 عام، حاولت الانتحار وكان عمري 15 عام، “مررت حينها بفترة سيئة للغاية توفي والدي بالأصح قُتل من ثم شتت عائلتي تركت مدرستي مررت بفترة متعبة جداً، شعرت أن لامعنى للحياة وبأنه يجب عليا ان أغادر الحياة بعد أبي، قمت بتناول عدة أدوية لعلي أموت ولكن للأسف أنقذوني وقاموا بغسيل معدة لي وتعافيت”
فيما زوجة المنتحر ” ص .ع ” الذي أنتحر وهو في عمر 43 عام تقول : ” زادت ضغوطات الحياة عليه لم نكن نملك حق قوت يومنا، وتراكمت الديون، أصيب بحالة هستيرية وتوحد مخيف، بعدها كنا نخاف ونخفي عنه السكاكين والجنبية وكذلك القداحات وغيره من الادوات ولكن نسينا علبة مليئة بالسم ” مبيد حشري ” فقام بشرب العلبة كاملة، واتى ليقبل اطفاله الخمسة وفقد وعيه وبين يديه ش . ص. ع التي كان عمرها 3 اعوام وبعد وفاته سامحوه من كان عليه دين لهم وعدنا للحياة بدون رجل يسندنا 4أولاد وبنت أكبرهم عمره 10سنوات”
وتتحدث ” س .ف ” البالغة من العمر 19 عام لمراسلة ” إب7 press “، قائلة: ” حاولت الانتحار ولازلت أفكر في الأمر، أشعر بأني اكتفيت من كل شيء ارغب بالموت اريد الراحة فقط، كل شيء حولي لا يدعوا للحياة أشعر بأني ميتة من الداخل فالموت أجمل بالنسبة لي”
تجربة قاسية أخرى عاشت تفاصيله ” ن .م ” بحثا عن الدين الصحيح، حيث تقول:” سمعت لدعاة غيروا كل مفاهيم الدين الاسلامي لدي، هدموا كل ماكنت أؤمن واعتقد به، وبعد ذلك اصبحت اتساءل عن كل كبيرة وصغيرة اسمعها تتعلق بالدين، من احاديث وقصص وروايات وكتب وحتى القران وتفسيراته، تطورت في ذلك وتشعبت وامتلأ راسي بالشكوك والتساؤلات، حتى بدأت اتساءل من هو الله؟! ولماذا خلقنا؟! وما هو الدين الصحيح؟! وهل هناك اخرة وجنة ونار واشياء اخرى، وتفاصيل غيبية لا سقف لها، حتى وصلت لان ابتعد عن الدين، ولم اعد أصلي ولا حتى اصوم ولا أؤمن بالدعاء..”
وتضيف، ” وصلت لمرحلة صعبة وفكر مشوش، حتى فكرت بالانتحار لمعرفة ما بعد الحياة، فكرة راودتني كثيرا الى ان سمعت امي وهي تبكي في صلاتها جوف الليل وتدعوا لي بالهداية، بكيت وكنت ابكي بحرقة وذهبت واغتسلت وصليت تلك الليلة ندم وغفران وطلبا من الله ان يهديني الى الطريق الصحيح، وبدأت من ذلك الوقت ابتعد عن كل تلك التساؤلات وعن كل من كنت اتابعهم من الذين هدموا ديني وباسم الدين وبقيت التزم بديني واعامل ربي وادعوه سرا وامتلأ قلبي بالطمأنينة وعقلي بالراحة واشغلت وقتي بالعمل”.
تعددت القصص وكذلك تشعبت الأسباب الحقيقية حول ظاهرة الانتحار، فمنهم من يرى أن أكثر الاسباب نفسية، وهناك من يعتقد ان الأوضاع الثقافية والعائلية والاجتماعية، وسهولة الحصول على وسيلة لارتكاب هذا الفعل من أهم الاسباب.
فيما آخرون يروا أن الاسباب كثير منها البطالة، الفقر، التشرد، التمييز العنصري، الدين والشرف، اليأس، الانعزال، الوحدة، العنف، مواجهة مشاكل قانونية، التعرض لتنمر، ادمان الكحول والمخدرات، وأتفق معظم من سألناهم أن الاكتئاب هو الاكثر شيوعاً ومسبباً للانتحار، بدورنا فقمنا بعرض الموضوع على أطباء نفسيين، وهم أكثر من غيرهم يعملون في هذا الاختصاص.
التقينا بالدكتور طـه العوبلي، والدكتورة إلهام شمسان إخصائيين في علم النفس والاستشارات النفسية، يقول د. العوبلي: “ان اهم أسباب ظاهرة الانتحار، الظروف الاجتماعية او الاقتصادية التي يمر بها الفرد المنتحر، وهناك اساب تتعلق بالصحة النفسية للفرد، فهناك عدد من الاضطرابات النفسية التي تكون مالات المرض فيها للانتحار، كالاكتئاب الشديد او السوداوي، كأن يتعرض الفرد لتجربة او اخبار صادمة مثل التعرض للاغتصاب او الانتهاك الشديد او الخسارة المادية او الفقدان، فقدان الامل او حالة الاحباط الشديد الذي قد يفقد الفرد الامل في الحياة، الادمان، فقدان المعنى او الهدف في الحياة.
وكذلك العجز والفشل في مواجهة بعض التجارب سواء على المستوى الوظيفي او المستوى التعليمي او الاجتماعي، المعتقدات والثقافة المجتمعية الخاطئة لدى بعض الشعوب والامم، نمط الشخصية للفرد لان بعض انماط الشخصيات تكون أقرب الى التشتت النفسي والاجتماعي.
وأضاف د. طه بأن من ينتحر ليس بالضرورة أن يكون مريضا نفسيا، وبالعودة للأسباب يتضح بان الكثير من حالات الانتحار لأفراد ليسوا مضطربين نفسيا، كما ان الواقع المشاهد وايضا الاخبار التي اظهرت عدد من المنتحرين ليسوا مضطربين نفسيا، ولكن من يصل الى وضع الانتحار هو الشخص الفاقد للأمل ويشعر بان الحياة والموت سواء بل ان الحياة بالنسبة له هي زيادة معاناة والم فيها فيفضل الانتحار والتخلص من الذات.
وتوافق د. الهام كل الاسباب التي قدمها د. طه، وتضيف أن ضعف الوازع الديني له دور مهم في انتشار هذه الظاهرة، وكذلك ضعف الوعي، حيث أن معظم حالات الانتحار تكون من أشخاص بدائيين في التعليم أو غير متحضرين ومتعلمين، كذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، فالمعنفات يرين ان الطرق مسدودة من المجتمع ومن العائلة فيلجئن للانتحار.
وأكملت، إن نسبة المقبلين على الانتحار من النساء أكبر من نسبة الرجال، ولكن نسبة الرجال المنتحرين أكبر من نسبة النساء وقد تعود هذا لتردد المرأة وخوفها على نفسها بعكس الرجل ينتحر دون تفكير ولا يستطيع التحمل كالمرأة، فالرجل يفضل الموت على أن يرى أطفاله جياع وزوجته متعبة وهو مقيد ما بيده شيء، بالإضافة الى ضغوطات في الوسط الاجتماعي، وحروب وفقر وانعدام رواتب فيلجأ للانتحار، وأحياناً تكون حالات الانتحار بسبب بعض الوساوس القهرية كالتعمق في التفاصيل، كوجود الذات، ووجود الله أسئلة كثيرة تنتهي في النهاية بشتات ومن ثم الانتحار، وأكملت أنه في الغالب لا ينتحر الشخص الا بعد عدة تراكمات مر بها فيصل إلى نقطة تسمى بالنسبة له النهاية.
وأوردت بيانات لمنظمة الصحة العالمية تقول بأن متوسط 75% من حالات الانتحار تسجل ما بين متوسطي الدخل وسكان الدول الفقيرة، وبأن معدلات انتحار الذكور أعلى من الإناث بمقدار 4_3 مرات.
وبعد معرفة الأسباب من وجهة نظر دكاترة وكذلك بعض أفراد المجتمع حاولنا معرفة ماهي الحلول التي يجب توافرها للحد من هذه الظاهرة.
يقول د. العوبلي ، ان هذه الظاهرة ظاهرة مقلقة ودخيلة على المجتمع اليمني وقد يكون العلاج ملخص في تنفيذ العديد من الاستراتيجيات العلاجية تتمثل في ” العلاج النفسي القائم على الجلسات النفسية بغرض مساعدة الفرد على الوعي بذاته واكتشاف وتنمية مصادره الذاتية الايجابية واستثمارها ، ومساعدته على حل مشكلاته سواء الشخصية او الاجتماعية او الاقتصادية او التعليمية، العلاج الطبي(عقاقير) خاصة الحالات المضطربة نفسيا او التي تعاني من مستويات متقدمة من الاضطراب النفسي، البيئة الاسرية الداعمة للفرد ومساعدته في كيفية التغلب على مشكلاته، التنشئة الاسرية الايجابية والمتفهمة التي تنمي ثقة الفرد بذاته، البرامج التوعوية من خلال الوسائل التثقيفية المختلفة من قبل الجهات الرسمية، والمؤسسات المجتمعية، المحافظة على مستوى متوازن من التمسك بثقافة ومعتقدات البيئة الاجتماعية”.
من جهتها ترى د. الهام أنه يجب توعية المجتمع في مثل هذه الأمور وتذكيره بالعواقب وبالله وبأن الحياة لن تنتهي بالموت فالنار قد يكون مصيره المتربص به، ومحاولة العدل في النوع الاجتماعي وتقييد الوصول للأسلحة النارية، وتحسين التنمية الاقتصادية.
يعتبر بعض الأطباء في الخارج ان الانتحار عاشر الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، فيما هو في محافظة إب بمستوى متقدم للغاية وقد لاحظنا في الأشهر الماضية تزايد حالات الانتحار، لذا ينبغي على المجتمع ان يتنبه للظاهرة، ويجب على الفئات الأكثر وعيا ومعرفة تقديم حملة توعوية عبر منصات التواصل الاجتماعي وفي مواقع أعمالهم واماكن الجلوس العامة، فوظيفة حماية المجتمع مهمة الوطنيين والشرفاء وصناع الحياة.