غيمة سوداء.. رحيل بلا وداع

 

إب7 press
أسرار الدحان

 

كانت تحث خطاها مسرعة بينما يتخبط وجهها في الأطياف المرعبة التي تزور خيالها ولم تعد ترى شيئا، فالوجوه تتكرر والصور في بالها أصبحت متشابهة جدا، كانت تسير بسرعة ولا تدري إلى أين تصل.

 

هكذا كانت (منى ) اسم مستعار، 20عام، تائهة تبحث عن والدها الذي افتقدت يده قبل ساعات وما تزال تبحث دون جدوى فقلبها صار كطائر مذبوح يحاول أن يقاوم الموت، ويداها المرتعشتان تمسك طرف ثوبها الذي بللته السيول والأمطار، بينما تتسابق اقدامها التي تحاول أن تحث الخطى وقد باتت ثقيلة لا تكاد تقوى على حملها بينما الأمطار لم تتوقف حتى بللتها تماما.

 

حاولت أن تستنجد، وأن تسأل كل من يمر عن والدها التائهة دون جدوى، بينما أبوها قد انهارت قدماه من البحث وبدأت عيناه تذرفان الدموع بلا توقف.

 

أخذ جواله ونشر إعلاناً عبر وسائل التواصل وذهب إلى قسم الشرطة، وقدم بلاغاً وماهي إلا دقائق حتى بدأت الاتصالات تتوالى،

وجِدت فتاة مقتولة (يا إلهي )

ماهي مواصفاتها

لا الحمدلله ليست هي ..

اتصال آخر: فتاة عشرينية وجِدت في مجرى السيول

ويجيب بحروف متقطعة وعينان دامعة سآتي لأرى بنفسي ..

 

وبين كل هذه الأحداث يصل الخبر إلى الام المكلومة لتخيط من كلماتها رداءً لحداد يوماً أسوداً ولتكتحل بطيف ابنتها الجميلة التي غادرت القرية للعلاج على أمل أن تعود فتتم حفلة الخطوبة لقريبها الذي تقدم لها مرات وتم رفضه بسبب عدم استطاعته دفع المهر كاملا الذي يصل إلى ثلاثة ملايين ريال، فيما هو يعمل في قطف وبيع القات، وبالرغم من أنه يتحلى بحسن الخلق ومشهود له بالصدق والأمانة لكن ذلك لم يشفع له.

 

كانت القرية كاملة تتكلم (بفاه ٍ واحد) عن ضياع منى وحالها الصعب في مكان كبير وشوارع واسعة كالمدينة، فيظهر صوت رجل مسن يضع عود السيجارة فوق أذنه والأخرى يمسكها بأسنانه ليقول بلكنته القروية المعروفة لديهم (او صدقتم إن منى قد ضاعت والله انكم مساكين منى هربت مع قريبها الذي رفضه ابوها عشان الفلوس جالسين تهموها وتولولو وتبكو، البنات كسارات الظهور ).

 

صمت المتواجدون وبدأوا يهمسون عن القصة الجديدة ويضيف البعض أنه رأى خاطبها يغادر القرية ومعه حقيبة ملابس والبعض يقول إنه كان يسمعهما يتحدثان بنفسه وسمع خطة هروبهما.

 

تناقل أهالي القرية الخبر حتى وصل إلى مسامع أخوها الأكبر الذي يعمل مع خاطب أخته منذ سنوات في بيع القات ويحبه كثيرا فبدأ يبحث عنه بجنون ولم يجده في كل مكان،

بينما ساعات الغروب اوشكت ونساء القرية لا حديث لهن إلا قصة منى وهروبها وأنها الان مع محبوبها ولا يهمها أحد، وفيما الأم ترتدي عباية انكسارها وتخفي صوت بكاءها وتقوم بالخروج متخفية من القرية مع الأخ الأكبر الذي أخذ سلاحه وعبأ ذخيرته في حال تأكده من الخبر.

 

ما إن اقتربت ساعات الليل حتى ازدادت دموع منى بالانهيار وباتت تسأل كل من يمر عن قريتها وكيف تعود إليها وما إن سمعها أحد المارة تردد اسم القرية حتى تذكر بائع القات الذي يرددها غالباً، فطلب منها أن تلحقه ليأخذها إليه فيتصل بأقاربها أو يرسلها مع النساء المسافرات.

 

وما إن وصلت إليه حتى تفاجأت بأنه خاطبها فازداد خجلها وحاولت أن تلف جسمها وتغطي ما كان يظهر منها خاصة بعد أن بللها المطر ولم تعد ملامح وجهها الغض تعرف الدموع والبكاء، وقام أخذ خاطبها جواله ليتصل بأخيها دون أن يحاول النظر اليها ..

 

فرد أخوها سريعًا بأنه قادم إليهما وما إن سمعت الأم صوته على هاتف أبنها حتى أرتفع صوت نحيبها وصراخها بأن ابنتها خائنة، وحال وصولهما إلى السوق تقدم الأخ زحمة الناس وشاهد بعينه أخته تقف قريبة من خطيبها الخائن فرفع سلاحه وأطلق رصاصاته الغادرة دون تفكير أو روية وسط صراخ وهروب الناس.

 

كانت ” منى ” تنتظر أخاها بأن يعيد لها الأمان الذي افتقدته، كانت تنتظر أن يأتي فيدفئ أناملها المرتجفة، وكانت وكانت .. لكنها أخاها أحال روحها إلى غيمة سوداء تغطي سماء القرية حتى اللحظة.