عمران هلالكما هو مؤلم للغاية أن تقف بكاميرتك لتأخذ لأحدهم صورة مع اخوانه، وبضع ممن وقفوا إلى جواره كتخليد لأخر اللحظات قبل أن يذهب الى الله بمفرده بعد بضع ساعات قلائل عقب عضة كلب قبل شهر.تتساقط دموعهم وأنت تحبس انفاس دمعك لتحلف كاذبا انه سيكون بخير وأنت تعلم أنها اللحظات الأخيرة ولكنك تستمر بالكذب عنوة لعلهم يصدقونك فيتسمرون لالتقاط اللحظة الاخيرة.
“علي عبده” والد لأربع فتيات وطفل دون العاشرة من العمر وهو عامل قروي بسيط يقول لي، أريد ماء فاعطيه في مشهد درامي باكي فلا يستطيع ابتلاع قطرة واحدة بل يثور ويبكي ويتشنج بكل قوة ويعوي عواء الكلاب.
“يا دكتور اريد قطرة ماء واحده وبعدها اموت، لي خمسة أيام دون نوم، واربعة ايام دون ماء، ما قدرت اشرب ولا أقدر أأكل كيف تعالجني” يحادثني بهذه الكلمات، فلا أجد له جواب غير أنك ستكون بخير، وسنأخذك الى إحدى مستشفيات محافظة إب للنوم، وفي نفسي أقول ” لعله يستريح من كل هذا العذاب الذي يعانيه”.
يردف “علي عبده” حين سألته لماذا لم تذهب الى مركز صحي او مستشفى لأخذ الجرعة، ” ما أحد كلمني ابدا، عالجوني بثوم، وغسل بالصابون، وصرفوا لي من صيدلة أحد أقاربي مضاد حيوي وابره وخلاص، وبعد كل ذلك كنت أشعر وعلى الدوام بخمول وكسل وتعب، أشعر بالخجل من والدة زوجتي جراء صراخي بعواء طوال الليل اتمنى شربة ماء فاعجز على ابتلاعها”
لا تشكل حالة هذا المريض أية خطورة لو وجد الوعي، وقليل من الثقافة، وتم اسعافه الى أقرب وحدة صحية ومنها يلقى المشورة بجرعة علاجية مضادة للفيروس القاتل.
وأتساءل لماذا بعض الناس بلا مبالة ونشاهد حالات كهذه وأخرى تدمي القلب وتنكس الروح حد الوجع العميق، لماذا لا يأخذون العظة والعبرة ممن سبقهم، لماذا يتأخرون في إسعاف المصابين خاصة أولئك الذين يصابون بعضة كلب.
في المراكز الصحية يتلقى المصابون المشورة والجرع العلاجية سوا كانت متوفرة مجانية في مكاتب الصحة الحكومية، أو تشترى بنقود من المراكز والصيدليات، فهي لن تكلف الكثير مقابل الحياة، هي إذا مسألة وعي فالمشفى قد يعالج فرد والمثقف الصحي قد يعالج وينقذ بيئة.
أخيراً ” علي عبده ” فارق الحياة، ولم ننشر تلك المقاطع التي التقطت له بالكاميرا وهو يشرح حالاته وفي آخر ساعات حياته حتى يتسنى لنا أخذ الموافقة من أهله.