اعترافات أنثى 5
لكني انطفئ
إب7برس Ibb7press
نسرين جبر
أمضيت عمري وأنا أشرح فكرة المنطق بأسلوب فلسفي أزعج الكثير، إنني لا أدعو للانفتاح الغير محمود، ولست ممن خرجن عن تعاليم الشرع والدين، أنا أنثى أمتهن فقط شرع الحرف والتعبير المتناثر لأقول للعالم أنا عشت هكذا أبحث عن نفسي التائهة بين معتقداتٍ لا تمد للدين بصلة وبين عقول فارعة تمتهن إهانة المرأة وتكره نجاحها وتسقط من كرامتها وتعنفها وتمنعها حقها بالحياة.
أنا لا أريد شيئاً فقط، أريد أن اتعلم، أن أنضج ببيئة أشعر فيها بالحب والانتماء الروحي، أن أخطئ فلا أنصدم بمرآة مجتمع لا يرحم، وقسوة لا هوانه فيها، كلما أريده أن أحلم دون أن تشتعل الحرب في أعماقي وأضل أترقب حلمي بكل خوف، أنا خلقت من ضلع الرجل ليحميني، لا ليهين كرامتي ويحاربني كعدو، أنا نصفه الحي، صورته الأخرى، الحنان الذي يبحث عنه والروح الآمنة التي يأوي إليها عندما يخاف.
هل كان عليه أن يجتث قلبي ليعيش أو ليكون هو، حرمت من التعليم بعد الابتدائية بحجة أن لا تعليم للمرأة، فهل الدين يمنح الجميع حقوقهم ويتعثر أمامي، أنا التي أصنع المجتمع بيدي وأشكل التاريخ بمنطقي وفكري، أنا المستقبل يقف أمامي منتظراً محو الوجع منه وزرع الأمان فيه، ينتظر أن أجتث العنصرية بمخالب الوعي، أن أمحو الجهل بنور العلم، وأن أغرس الوعي في عقول الناشئين.
تبا ليد تعنف، ليد تهدم بدلاً أن تبني، فلطالما صمت في حضرة العادات تلك التي لا تمت للدين بصلة، فالدين بريئ من معتقداتهم كبراءة الذئب من دم يوسف، وسقطت بألم أمامها فتزوجت من رجل عجوز، له أسرته وحياته ومعتقداته وافكاره، أما أنا فسقطت إلى الهاوية بلا صوت لأستنجد، فتقولون إنها تبالغ لم يكن الأمر موجعاً، والدها يعلم ما يجب فعله، ويعرف مصلحتها أين تكمن، فتم زفافي بينما أرتشف الألم وأجتث السنين القادمة، لطالما حدثت أبي بأني لا أريد الزواج، أنا التي كنت أحلم بأن ثوبي تصنعه الغيوم وأن النجوم تقتات معي الأمل، لطالما حلمت بارتداء بالطو التخرج، صممت ألوانه ونسجته في خيالي لمرات، واليوم ارتدي لونا أبيضا مختلفا أحتضن نفسي بقوة ويتسمر الوجع في أعماقي.
إنني أبدو كامرأة لكنني طفلة من الأعماق، لم تنضج حتى أحلامي، لم تصل إلى مستوى أن أكون أماً أو زوجة، كنت مضطربة أتعثر مرات بثوبي ومرات أخرى كثيرة بمخاوفي وأحزاني، شعرت بصقيع الوجع ومرارة الحزن ووحدة الروح في الوقت الذي كان يجب عليه أن أتسلق سلالم الأمان وأن ارتدي ثوب الحلم الوردي وأن أستقبل الأيام القادمة بشغف، لكني أطفئ، أُظلم من الداخل العتمة تحتلني، لم تكن أحلامي هكذا، فهل يتوجب علي الآن أن أصارع من أجل البقاء، البقاء فقط دون سواه
وهل سأفتقد كل ما كان يميزني من رقة، وجمال، وذكاء، وأنوثة، وأقدمه قرباناً لمحاولة العيش فقط.
سأتحول دون وعي مني، سيصنعني الألم ويشكل أعماقي الوجع لأصبح إنسانة أخرى لا تعرف سوى القوة ولا سبيل لها إلا أن تكون امرأة فولاذية تأخذ حقها بقوة، يكفيني حتى الآن ما خسرته، وهنا أستطيع أن أقول بأن الإنسانية لم تكن يوماً شعارات تردد، ولا أفكار تحتفظون بها لتدونها وقت الحاجة، الإنسانية أن تصمد أمام العالم القاسي لتمنح جزء منك كل من تراه ضعيفاً، والإنسانية أن تكرم أنثى، أن تداوي مريضا أن تعطي محتاجا، دون أن تصرخ حتى وإن تألمت أو عانيت فالوجع في سبيل العدالة والمستقبل المليء بالأمان يزول مع الأيام ويبني مستقبلاً مشرقا، الإنسانية قول رسول الله وهو في حالة حرب ونفور ” لا تقطعوا شجرة، ولا تقتلوا طفلا، ولا امرأة، ولا شيخ”.
نحن المسلمين من أتينا بحقوق المرأة والطفل وحتى الشجر، لكن بعض الموروثات الإجتماعية جعلتنا نعيش بغربة تعيسة، وابتعدنا كثيرا عن ديننا الحنيف وارتدينا عباءة الذل لنصبح مخيفين أمام صغارنا ونسائنا منكسرين جدا في أعماقنا.
امنحوا بناتكم جزء من الحرية المشروعة، وليس التحرر المنبوذ الذي يدعوا إليه الغرب، التحرر باللباس والشكل والانفلات، أنا أقصد التحرر الفكري، التحرر الروحي، فُك وثاقها، إسمع منها، ناقشها، حدثها عن حلمك بها وبالمجتمع الذي ستبنيه وحدها، اشعرها بأنها تستطيع فهي ليست ناقصة ليكملها رجل، وليست عورة بل هي وصية رسول الله، حدثها كيف ارتدت خوله لباس المحارب وخرجت إلى الجهاد دون خوف أو استكانة،حدثها كيف ربت الخنساء أولادها ليقدموا أرواحهم فداءً للدين والعقيدة.
ثم حدثها عن المرأة التي قال عنها عمر ” أصابت امرأة وأخطأ عمر”، كيف وقفت أمام الجميع وصرخت رافضة ما كان سينقص من قدرها ويقلل قيمتها، نحن نحتاج أن ننشئ أمة قوية لا خضوع فيها ولا ضعف.
إذا فلنبدأ بالمرأة فهي كل ألمجتمع، لا تطفئوا شغف الحياة بنسائكم بحجة الفقر، أو بحجج أخرى واهية، فيخرج جيل هش ممتلئ بالعاهات النفسية، بالقسوة، بالخوف، والاضطرابات الداخلية العميقة، وبعدها نحلم أن نعيد مجدنا، وأن نبني تاريخنا بينما أساسنا مدمر ومشوه، لنبني القوة والأساس الصحيح، لنوجد تاريخاً ومجداً وعزة.
#اعترافات_أنثى 5