ماذا يعني أن تكون مهندسا
إب7برس Ibb7press
أميمة راجح | رأي
ماذا يعني أن تكون مهندسا؟ هذا يعني أنك واقع في مشكلة عزيزي، نعم مشكلة فالهندسة بمفهومها الحقيقي هو إيجاد حل مبتكر لمشكلة موجودة حقا شريطة أن يكون الحل جذريا، ولا يمكن أن يكون الحل ملقى على قارعة الطريق إنما يحرث العقل بعمليات تفكير وبحث عميقة لتنبثق كانبثاق المصباح في العتمة.
والهندسة تشبه كثيرا خلق حياة سرمدية من جذور ميتة، ورفع بناء متين من أعواد لينة، والقضية الهندسية تتلخص في كون المهندس/ة بذرة جامعة لثمار عديدة في كل الإتجاهات أينما وجدت التحدي والعلم والمعرفة أنتجت مالم يرى من قبل.
في الكلية يدرس المهندسون/ات الرياضيات والفيزياء يحللون المسائل بالمنطق ويضعون لها الاحتمالات، يقيسون المسافات ويحللون الاتجاهات ويحاولون الوقوف على نقاط التوازن، يصلحون الدوائر الكهربائية ويحاربون أي تيار زائد بسيل من المقاومات الأومية، يصنعون الحواجز الفولتية، ويعيدون تركيب المولدات والمكثفات ودارات المنطق.
يتداولون ماكات الشبكة ويحسبون بتاتها الداخلة والخارجة، إذا ما وقف صفر أو واحد في الطريق ينال الهم من قلوبهم ويعلو البياض خصل شعرهم إذا بقيت ولم تذهب مع كل تلك الأفكار المضنية في المشاكل اللامتناهية.
أما في العمل فتجد المهندس المدني لا يهنأ له بال، فالخطأ التافه سينهي حياة الأبرياء، والمهندس البيئي تحاصره كوابيس الزلازل والبراكين، ومهندس الزراعة يقض مضجعه الماء المهدر والأراضي التي تتلفها الأسمدة والمبيدات، ومهندس الحواسيب في معركة رقمية دائمة يخوضها كأبطال الديجتال ضد الفيروسات والبيانات الملغومة.
ويفقد مهندس الاتصالات حياته بتهمة الخيانة الوطنية في حال السهو والتهاون بالسنترالات وحمايتها، ومهندس الشبكات تلاحقه فوبيا انقراض النحل بسبب إشارات الواي الفاي والجيل الخامس، والمهندس المعماري يدفع كل راحته مقابل أن ينتج تصاميما ترضي الأثرياء الجشعين الأغبياء، ومهندس النفط والكيمياء تتهاوى صحته تدريجيا مع كل برميل من النفط أشرف على تنقيته وتكراره، والكهربائي يقتله تيار كهربائي في برهة عابرة، والميكانيكي يحدث أن يفقد أصابعه أو أحد أطرافه في بكرة ما أو آلة ميكانيكية صنعها بنفسه، والهندسة كلها هم وغم لا يكشفهما إلا ألطاف الله.
وفي الحياة العامة لن يتخلص المهندسون/ات من وجع الرأس ومواجهة المشاكل المتشابكة، وإزعاج الناس، أصلح لي هاتفي، حاسوبي، غسالتي، منظومة المنزل الشمسية أنبوبة الماء، طبق الحلوى، أطفالي …… والخ.
الجميع يتخيل كميات الأموال المكتسبة من الهندسة، جبال لا عد لها، وضيق الوقت كذلك، فهذا جار يحتاج ساعتين لتشرح له قضية أو مبدأ أو نظرية أو مبرهنة دون مقابل ولا حتى كلمة شكر وعرفان، وذاك قريب ينتظر أن تساعده في صنع شيء ما محمول عتبه على صلة القرابة والرحم، أما عن رحلة البحث عن وظيفة فهذه معضلة مستحيلة الشرح، فشركة تتطلب خبرة، وشركة تريد لغات ما أنزل الله بها من سلطان، وجهات تكتب اختبارات طولها ثلاثون صفحة، ومكاتب ترفض التعامل مع غير المؤهلين من الخارج، وغالبية عظمى لا تقبل أي مهندس/ة دون وساطة قوية وذات نفع.
هذا باختصار شديد ماذا تعني الهندسة، والنقطة الوحيدة التي أود التنويه لها أنني امتهنت الهندسة بسبب الشغف الكبير الذي لم يعد لي طاقة لتحمله بعلوم الرياضيات والهندسة والتكنولوجيا، شغف ادفع ثمنه غاليا جدا، يستمد لمعانه من نظارة وجهي وصحة جسدي وراحة بالي.