المرأة وعذاب الغاز
إب7 press
عمران هلال
تعيش محافظة إب اليمنية أكبر مأساة تشهدها البشرية في القرن الحادي والعشرين، وفي نطاق كافة المديريات نعيش أعمق هذه المأساة بشكل عام وفي قرية ” منزل الراعية ” المطلة على مدينة إب، يعيش الأهالي هناك أعمق المأساة التي لا يمكن أن تمر على أحد ولا يمكن أن يصورها عقل.
تتجلى هذه المأساة في أبهى صورها في يوم الغاز، اليوم الذي تحتشد فيه القرية عن بكرة أبيها كعيد وطني، حيث يرتص الرجال والاطفال والنساء وسط القرية محتضنين أسطوانات الغاز كاحتضانهم لأطفالهم بحب وشغف.
يرتصون هناك ليومين أو لثلاثة أيام على أمل رحمة من وكيل الغاز أو مسؤول التسجيل لقبول أنبوبة غازهم وإدخالها في جنة المقبولين للحصة.
وللعلم فإن هذه الحصة المقررة للقرية لا تأتي إلا كل أربعة أشهر تقريبا، بعد أن أزفت البيوت من شراء أنابيب الغاز من السوق السوداء والتي تبلغ قيمتها الى ما يقارب 15 ألف ريال يمني، ما يعادل 25 دولارا.
يتكرر هذا العذاب وفي مشهد اعتيادي لكل 3 إلى 4 أشهر، ولا يمكن أن يمر دون أن تلتقط عيونك الصورة لبعض الماسي والغُلب الذي يتخم عيون الواقفات من النساء والرجال على ممر ومدخل القرية في طابور بائس.
هنا امرأة ضعيفة تبكي لعدم استطاعتها الوصول إلى شاحنة الغاز لوضع أنبوبه غازها، وهناك أخرى تبكي كذلك إذا لا أحد في بيتها جوار طفلها الصغير ليرضعه او يرعاه، وثالثة يعود أطفالها من المدرسة ولم يعدل منزلهم هو نفس المنزل، بل أصبح وسط القرية، وبالتحديد في الميدان حيث الام هناك تقف في طابور طويل، ولا تستطيع ترك ترتيبها ومكانها مخافة أن يأخذه غيرها وتضيع حصتها من مادة الغاز المنزلي.
تتحدث إحدى النسوة لـ« إب7 press » قائلة:” الغاز هنا لا يصرف إلا بحسب الوسطاء، والدفع المسبق والمحابة، وهناك من يلعب بحصة الحارة، ويبيع ويشتري بها تحت عدة مبررات”.
وتضيف، يبدو أنهم يستمتعون بمشاهدتنا هنا نتعذب ونتبهدل بين الرجال للحصول على دبة الغاز، ولو كنا ميسورين الحال لاشترينا من السوق السوداء وارتحنا من كل هذه العيشة الضنك، لكننا فقراء، فقراء، وأمرنا لله..
لمدة يومين أو ثلاث يترك الجميع أعمالهم، ويرتصون على الطريق للوصول إلى حصتهم في مشهد عذابي مهيب، وهم بذلك يفقدوا قوت يومهم إذ أغلبهم يعمل بالأجر اليومي، وليس لهم إلا ما يجنونه من دخلهم اليومي، وهذا ما يوسع المأساة أكثر، ويرتفع الفاقة والقحط أكثر في منازلهم الشبه خاوية إلا من القليل.
وتستمر حلقة العذاب بالتوسع وانت تشاهد بضعة من اطفال يوصلون لذويهم وأهاليهم المرابطين في مترس الغاز وجبات الغداء الى الشارع بكل وجع، وبالرغم من كل هذه المأساة والوجع لا تتوقف المشاحنات والمشاكل الاجتماعية بالقرية والمواجهات الكلامية العنيفة بين أهالي القرية والوكلاء أو وكلاؤهم بسبب عدم قبول أسطوانات الغاز الفارغة.
تتحمل المرأة العبء الأكبر جراء شحة مادة الغاز المنزلي في الريف وكذلك في المدينة، ففي الريف تضطر لأن تجمع الحطب يوميا، وتقوم بالطبخ عليه بشكل متعب ويسبب ذلك أمراض تنفسية خطرة، ناهيك عن الإرهاق والقيام بأعمال إضافية تثقل كاهل المرأة، أما في المدينة فالوضع أقل حدة، لكن مؤخرا تم ابتكار اختراع مبسط يقوم على وجود صندوق داخله مروحة تعمل على الطاقة الشمسية ومن ثم يوضع عليه مادة الفحم، وتتم الطباخة بشكل مقرب للقرية مع وجود الأخطار والأعباء نفسها.
تقول سيدة تقف إلى جوار أسطوانتها الفارغة: ” هناك من يستلم من شركة الغاز حصص الناس، وبدل من تسليمها لهم يتم بيعها في السوق السوداء، فهي تسلم انبوبتها ولا تحصل عليها إلا بعد مضي أسبوع من تسليمها”.
وتواصل، ” يحدث كل هذا بدون رقيب ولا حسيب من أحد، وهناك منازل تحصل على 3 إلى 4 أنبوبات بالحصة الواحدة، فيما نحن بالكاد نحصل على أنبوبة واحدة كل شهرين أو ثلاثة، وبعد ضغط ومشاكل ومساربه والخ….”.
يوضح عاقل المنطقة ” وليد “، وهو يعد الوسيط عن القرية لتسجيل الغاز، أن سبب شحة الغاز يعود للتزايد المستمر في تعداد سكان القرية من النازحين والسكان الجدد بالمقارنة بالأسماء والكشوفات المعتمدة لدى الشركة، إذ تبلغ حصة المنطقة 425 أنبوبة، فيما يتواجد في القرية أكثر من 450 أسرة، وهناك أسر كبيرة للغاية يبلغ عدد أفرادها أكثر من 10 إلى 15 فردا، ولا يصح أن تكون حصتهم أنبوبة واحدة.
ويكمل حديثه، لذلك نحاول في كل مرة أن نمنح الأولوية للناس بحسب الاضطرار والأشد ضررا من أبناء المنطقة، ونطالب بالاستمرار بزيادة حصة القرية لكن لا جدوى من مطالبتنا إلى الان.
هذه المشهد يعيد لأهالي القرية الذاكرة إلى قبل سنوات حين كان بائع الغاز ( ابن مشرح ) يأتي بسيارته ليدق على أنابيب الغاز وبصوته ينادي ” الغاز …الغاز…الغاز … “، فيرد عليه بضع أهل القرية ” اخفض صوتك، لدينا بالجوار مرضى فلا تزعجهم، لا نريد غازك”، فيصمت البائع، وبنظرة حزينة يرمق الناس وكأنه يعلم بما ستأول إليه الأوضاع مستقبلا.
ويرى العاقل ” وليد ” أن الحل يكمن في اعتماد تحديثات كشوفات سكان الحارة، فالحارة في تزايد مستمر للسكان نتيجة لزيادة الأعمار فيها والتوسع العمراني، أو تكون هناك لجنة من الشركة تنزل إلى المنطقة كل شهرين لاعتماد الأسماء الجديدة.
ويختتم العاقل حديثه” الجميع محتاج، وفي أمس الحاجة لمادة الغاز، فكيف العمل ومن ينقذنا من كل هذا العذاب الذي نعانيه نحن، الناس والنساء والأطفال أمام منزلي يشتمون ويشتكون ويطالبون بالغاز وليس بيدي شيء”.
ويعقب وكيل الغاز، حول الإشكالية التي تواجهها القرية والمنطقة بقوله: ” حصة المنطقة بالقانون 425 أنبوبة كل 25 يوم، هذا بحسب قانون شركة الغاز وعقدها الملزم، لكن هناك مشاكل في التوقيت لدى محطة الغاز نفسها، إذ لا تصل إليها الإمدادات من الغاز بأوقاتها المناسبة، مما يؤدي بتأخر مواعيد الحصص على كل المناطق ومنها هذه القرية”.
ويضيف، فالحصة التي كانت مقررة للحارة كل 28 يوما تصل الآن كل 60، وأحيانا تتأخر إلى 80 يوم، وذلك بسبب الحرب وتأخر وصول المقطورات من محافظة مأرب ومشاكل أخرى، وهذا يؤدي إلى زيادة الضغط على الوكلاء وزيادة الاحتياج من قبل المواطنين على حصصهم، بالإضافة إلى عدد السكان الجدد، وعدم اعتمادهم من الشركة، وعدم وجود تحديثات مستمرة لكشوف الحارة.
أجرى مراسل الصحيفة لقاء مع مسؤول في توزيع حصص الغاز المنزلي، فضل عدم ذكره، فأجاب أن أسباب شحة المادة في الفترة الأخيرة يعود للحرب التي تدور على أطراف محافظة مأرب، المحافظة التي ترفد الجمهورية بمادة الغاز، ناهيك عن تزايد عدد السكان والحصار الذي حال دون دخول المادة عبر الموانئ، بالإضافة إلى الضغط الذي تواجهه الشركة من الوجهات والمؤسسات والقطاعات المختلفة.
هكذا يعيش أغلب القاطنين هنا في محافظة إب، ولا تخلو حارة أو حي أو شارع إلا والمأساة نفسها وبكل تفاصيلها تتكرر وبشكل مخيف للغاية، وقبل أشهر سقط قتيل والعديد من الجرحى في منطقة الجبانة السفلى على خلفية خلاف حول أسطوانة غاز أثناء توزيع الحصة المقررة للحي، وهناك العديد من المشاكل التي تحدث بشكل يومي جراء عدم تغطية شركة النفط للمادة بشكل كاف لأسباب تعود للحرب والحصار وتداخلات أخرى، لتبقى أسطوانة الغاز الهاجس الوحيد الذي يشغل تفكير النساء والرجال في المحافظة.