العيد في إب.. بسماتٌ رغم الأزمات
إب7برس Ibb7press
سماح عملاق
لم يبتع عبدالعزيز(50 عامًا من إب) كسوةً أوحلوى للعيد، يمرح أطفاله الخمسة برفقة مجايليهم بملابس قديمة ونظيفة، يعبر ابنه الأكبر يامن (15 عامًا) عن تفهمه الكبير للأزمة المعيشية التي يعاني منها المعلمون أمثال والدهم، بعد نقاش قصير يهنئوننا بثقة قائلين”العيد عيد العافية”.
باستخدام الحطب صنعت أم يامن بعض “المقصقص”، و”بنت الصحن”، للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وبإمكانيات بسيطة ظهر الأطفال بمستوى أناقة مقبول أمام الناس، وعلى إيقاعات الفنان الراحل علي بن علي الآنسي، تستأنس بصحبة العائلة وهي تترنم “اضحك على الأيام، وأبرد من الأوهام اسبح مع الأنغام، افرح بهذا العيد، آنستنا ياعيد”.
تقول أم يامن لـ(إب7برس) وهي أيضًا معلمة فيزياء كزوجها :” بعنا سيارتنا قبل ثلاث سنوات، وبسبب أزمة المشتقات النفطية وارتفاع أسعارها لن نتمكن من الخروج في رحلة عائلية أو زيارة أقاربنا في صنعاء والحديدة، لكننا اتفقنا على بدائل تحافظ على أجواء العيد بهيةً ونقية فاخترنا الأنسب والأوفر لنوفر الفرحة لأطفالنا”.
ستخرج عائلة عبدالعزيز للتنزه في مرتفعات المدينة الجبلية كجبل ربي، وتلة حراثة، ومنتزه مشورة، نظرًا لقربها الجغرافي وتوفيرها المادي لميزانية العائلة، وقد اكتفت بالتواصل عبر برنامج “imo ” مع الأقارب والأصدقاء وتبادل التهاني والأمنيات عن بعد.
- مظاهر عديدة للجمال
تتفنن هبه (20 عاما من حزم العدين في إب) في نقشٍ، ينم عن موهبة فنية رفيعة، بذراعي كل طفلة تستعد للعيد، وذلك بعد ليلة من انهماك الأمهات على نقشة “الحناء” التي قد زينت سلفًا أكفّ الأطفال وبعض الشابات.
وفي ازدحام موسمي على “المنقشات” التقينا بعدد كبير من الأطفال، قالت الفنانة هبه إنها تقبل الطفلة بعد الحجز المسبق بدءًا من العشر الأواخر، ففي القرى البعيدة تتجمع النساء وأطفالهن في منازل الكوافيرات والمنقشات.
وبين جدران كوافيرات المدينة تجد ازدحامًا خانقًا من الصغيرات والكبيرات ليلة العيد، ففي كوافير “طيف السعيدة” بشارع تعز- مثلًا- لم تجد مراسلتنا موضع قدمٍ فارغٍ خلال الثلاث الليالي الأخيرة من رمضان، ولاحظت عددًا لامحدودًا من العاملات اللاتي تجاوزن العشرين عاملة لتلبية رغبات الزبائن بالكوفرة والنقش والاهتمام بالبشرة والشعر استعدادًا للعيد.
سالم محمد(18 عامًا من محافظة القاعدة) هو الآخر مع أصدقائه قضوا ليلة العيد في صالون الحلاقة، وقد انتظروا دورهم طوال الليل، فهناك تجد ازدحامًا موسميا للشباب والرجال الذين أتوا للصنفرة والحلاقة والاهتمام بمظاهرهم العيدية.
تجد حصالة هذا الاهتمام في صباح العيد، حيث تمتع ناظريك بملابس وأناقة المواطنين الذين يتسابقون لإظهار أفضل مالديهم خلال هذا اليوم.
يقول المسن عبدالله ناجي من السياني:”من يجد فرحة الأطفال، ومن يلتمس ضحكات الكبار وهم يتبادلون السلام والتهاني لن يصدق أن شعبًا كهذا- لايجد في معظم الأحيان- مايسد رمقه من الرغيف، رغم الأزمات الطاحنة التي نمر بها إلا أننا نصنع البسمة أينما وجدنا، وهذا يدل على شعبٍ جبار تعايش مع وضعه وتأقلم، ويبذل جهدا لتغيير وضعه أو عينه التي ترى وضعه بسلاسة قل أن تجدها في شعوبٍ أخرى”.
- “عيد وعوّادة، وملاقاة الحبيب”
سرد هذا المثل لمراسلتنا العريس ثابت راجح، ضاحكًا أمام منزله الذي تعلو من سماعةٍ فيه زفة لأيوب طارش “رشوا عطور الكاذية على العروس الغالية”.
فخلال أيام العيد يفضّل بعض الشباب في محافظة إب وبعض المحافظات المجاورة، الاحتفال بزفافهم سعيًا لمضاعفة الفرحة بالعيد واللقاء وتكوين أسرة.
نهاد أحمد وهي عروس أيضًا تذكر أن الاحتفال بزفافها في العيد طريقة أخرى للاقتصاد وتوفير المال، حيث وأن مصاريف العيد تدمج مع مصاريف الزفاف، ولمة الأهل تتوحد، ومعظم الضيوف إما مشغولون بمزاورة أقاربهم فيخف عدد الحضور، وإن حضروا فإمكانياتهم التي تسمح نسبيًا لإهدائها هدايا جميلة من عيدياتهم، تقولها مازحة.
أم نهاد تذكر أنها تعمل كبقية ربات المنازل على تنظيف المنزل وترتيبه جيدًا قبل العيد، وقرار تزويج ابنتها في العيد قد وفر عليها ترتيبًا إضافيًا في الزفاف، وهي تختصر الجهد والوقت، وتؤكد بأن أيام العيد موسمًا مناسبًا للأعراس منذ تزوجت بأبي نهاد.
صديقة نهاد تبدي ارتياحها لحضور الأعراس في العيد، كونها طريقة لالتقاء النساء واستعراض ملابسهن الجديدة، وتبادل التهاني والاحتفاء بقوة بعد هدوء شهر رمضان وانطواء معظم النساء في المطابخ، وهي تنظر لها كحفل تخرّج مكافئ لتعبها في شهر رمضان بالطبيخ.
الرجال أيضًا يبدون ارتياحهم لاستئناف مقايلهم الجماعية تحت ظل مناسبات فرائحية كالاحتفال بزفاف صديقٍ أو جار أو قريب، وهذا الموسم الخصب للزفة يجعل مكبرات الصوت معطرةً للجو من كل حدبٍ وصوب.
- ألعاب وأصوات وأسواق موسمية
تزين الألعاب النارية ليلة العيد احتفاءً بها، وتسمع أصوات ماتسمى شعبيًا بـ”الطلاّعات” خلال صباحية العيد بفعل الأطفال الذين يستمتعون باستخدامها، البالونات والنايات والمزامير والألعاب الصينية أيضًا تجد طريقها بسهولة في هذا اليوم إلى أيدي الأطفال.
سوق المكسرات والزبيب والمشروبات الفرائحية تفتح ذراعيها بقوة لكل مشتري يهملها معظم أيام السنة. الحلويات التي تنتشر في بسطات كثيرة بأسواق المدينة لا تخلو من ضيافات مميزة يقدمها رب المنزل لزواره.، وبأسعار باهضة على قدرة المواطن البسيط تُعرض هذه البضائع المطلوبة كعروسٍ شاخت لتجد فارس أحلامها الثري بعد جهدٍ جهيد.
التصفيق الحار يترامى إلى المسامع من بين الأزقة بين أطفالٍ يلعبون ليصفقوا-فجأةً – للفائز بينهم بحماسة، وفي ذات الوقت تسمع أصوات التلفزيونات التي تتسلل من نوافذ المنازل وفيها فواصل إعلانية فرائحية.
أسواق الملابس أيضًا -رغم الظروف القاسية التي تمر بها البلد – تُظهر ماخبأته في مخازنها من بضائع بارت ليعرضها الباعة بأعلى سعر ممكن وقت احتياج الناس وتقبلهم، زحمة الأسواق وروائح العطور المختلطة للمارة، كل ذلك ينبئك بأنك في منزلٍ كبيرٍ يحتفل كل أفراده ببهجة، هذا البيت الجامع اسمه الوطن.