من براثن النزوح في إب إلى اليونان مرورا بطريق الموت
إب7برس Ibb7press
نشوان النظاري _ طاهر الزهيري
أجبرته الحرب على مغادرة الديار، وتحت ضجيج المدافع وازيز الطائرات نجا بعائلته من رحى الصراع الدامي في محافظة تعز، وأستقر به المقام نازحا في مدينة إب.
انطلق في المدينة الخضراء يفتش عن الرزق ويبحث في شوارعها العتيقة عما يعول نفسه واسرته، وعما يمكن انتشالها من بين انياب حرارة شمس الظهيرة، وصقيع الهزيع الاخير من الليل.
” فهد “، ينتمي لمديرية بعدان بمحافظة إب، لكنه قضى معظم حياته في محافظة تعز، المحاذية لمحافظة إب، حتى أصبح يعد نفسه واحدا من أبناء تلك المحافظة.
سبع سنوات، كانت كفيلة بأن يبدأ ” فهد ” رحلة الحلم، ومسيرة الانعتاق من ذل النزوح واوجاعه إلى رحابة الأحلام وآفاق المستقبل الوضاء، فثمة عائلة تعلق كافة آمالها عليه، وثمة أحلام بسيطة ما تزال في ريعان صباها.
يقول فهد ” تدور عجلة الحياة بشكل غريب ولا تعرف ما الذي سوف يحصل معك، فقد تتغير حياتك كلها في لحظة، وتتحول من شخص كان ينقل الأحداث إلى أن تصبح الحدث نفسه…”.
البدايات المبنية على ركام الحروب ومخلفات الدمار تصبح مع مرور الوقت ميتة بلا روح ” في الأمس القريب كنت أنقل عشرات القصص الذي خلفتها الحرب في اليمن لدرجة أني تعقدت واصبت بحالة نفسية وصلت بي لمرحلة خطرة، حيث بدأت الكثير من الأفكار السوداوية تتزاحم في رأسي جراء القهر والباطل الذي رأيت، ولم أعد قادرا على إكمال حياتي في اليمن لأسباب الكثير يعلمها ويعاني منها”.
بدأ الشاب رحلة الهجرة واختار أصعب طريق ممكن أن يسلكه أي شخص مقبل على هجرة غير نظامية، أنه طريق الموت فيه أقرب من الحياة، ذلك أن ما ادخره بصعوبة طوال السبع السنوات لم يكن سوى مبلغا زهيدا، لذا فمنذ اليوم الأول في رحلته الطويلة وهو يقاسي الويلات والصعوبات تواجهه باستمرار، ولكن العناية الإلهية كانت تقف إلى جواره في أحلك الظروف، “الله كان يسخر لي في كل مرحلة أناس طيبون يقدمون لي المساعدة، وأصدقاء وأهل أيضا، وجميعهم أنا مدين لهم بحياتي”
ويضيف، ” لن اتحدث تفصيلا عما جري لي أثناء رحلتي حتى لا يصل ما اقوله هنا إلى أهلي وهم لديهم ما يكفي من هموم ومشاكل الحياة، وقد ترددت كثيرا في البوح ولكن كواجب أخلاقي وحتى لا يقع غيري بنفس الذي حصل ويحصل لي حاولت هنا أن أوصل رسالتي للشباب عموما، كما هي رسالة لكل شخص مهاجر يقوم بنشر صور بجانب التماثيل والساحات في أوروبا ويستحي من نقل الحقيقة كما هيا وبذلك يكون سبب في تشجيع كثير من الشباب على الوقوع في طريق الضياع”.
ويواصل، ” ولكن من قطع حدود تركيا واليونان، وبقى بين جبال وغابات اليونان لما يقارب شهر، يعرف تماما ما الذي اتكلم عنه، خاصة أن موسم المطر داهمنا في منتصف الطريق، وكذلك من أكمل الطريق باتجاه ألبانيا وكوسوفو حتى صربيا، طريق موت بكل ما للكلمة من معنى، لا سيما وأننا نسير بدون مساندة المهربين، لانهم يطلبون مبالغ كبيرة تفوق ما نملك، وعندما تسلك هذه الطرق بدون مهربين، تكون مسافة المشي أطول وتظل أيام على الطريق، ونحن مشينا حتى تفطرت اقدامنا من المشي ومن البرد وكل الظروف كانت ضدنا، مطر وحرس حدود، وشرطة عندهم كل الإمكانيات الذي تكشفك وكلاب بوليسية وكلاب المزارعين ، ووو “.
كانت الرحلة مضنية وإمكانية العودة شبه مستحيلة فالطريق لليونان طويل وخطر للغاية، والسير بالأقدام يتطلب صبر ومشقة كبيرة، والنجاة من مخالب الطبيعة والإنسان الخطر شبه مستحيلة، لكنه عبر وسار ولاقى من المشاكل والخطوب وترهل وضع صحي ما يفوق الوصف والخيال.
” أنا والحمدالله كتب الله لي النجاة من تركيا إلى صربيا والذي للأسف كنت أعتقد إني على بعد خطوة من الوصول الى الإتحاد الأوروبي واكتب نهاية لهذا العذاب وهذه المعانة الذي لا اخفيكم أن الموت قهرا على يد أنظمة الشتات بالبلد أرحم بكثير”.
تخطى طريق الموت وكانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكنها بالنسبة لمن وقع في شراك الهجرة الغير نظامية، خيار لا رجعة فيه وعند وصوله ” صربيا ” كانت المفاجأة
“صربيا هي بلد حدودي مع المجر وإذا تمكنت من عبور المجر تصل إلى الإتحاد الأوروبي ولكن مهما تكلمت لكم عن سوى هذا البلد لن أستطيع بلد عنصري يكره العرب والمسلمين أكثر من اي بلد آخر في العالم يحوي كل الإمكانيات الحديثة والتي سخروها ضد المهاجرين خاصة الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بدون مهربين”.
ويكمل تواصله معنا عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي ” امسكوا بي مرات عديدة، وأنا أحاول العبور منها، وفي إحدى المرات وبينما نحن نركب القطار باتجاه ” فيينا ” عاصمة النمسا، ألقوا القبض علي، صحيح أنهم لا يضربون في أغلب الأوقات ولكنهم يعاملوك بطريقة أسوأ بكثير، كلابشات وحراسة مشددة ويرجعوك مئات الكيلو مترات إلى صربيا بعد أن تكون على بعد خطوة من النهاية، وتعامل معاملة مجرم قاتل سفاح، والإحساس في هذه اللحظة لا يمكن وصفه، حتى أن هناك من يفكر بالانتحار”.
” بنسبة لي حاليا ومن شهر تقريبا في صربيا أعيش في بيئة أصعب بمليون مرة من كل الحالات التي صورتها في اليمن، خوف، برد، جوع، ضياع، مرض، واحتاج لمعجزة حتى أخرج من هذا المكان، وأسوأ ما في الموضوع أنه ليس هناك خط رجعة”.
الثلج في صربيا بدأ في التساقط ودرجة الحرارة بدأت تنزل تحت الصفر، وفهد بلا مأوى أو وجهة، لكنه يأمل أن هناك أشخاص حينما تصلهم رسالته سوف يقفوا إلى جواره، ولن يترددوا البتة.
رفض ” فهد ” منحنا صورا له، معللا ذلك أنه خسر أكثر من 10 كيلو، خلال تلك الرحلة الطويلة، ولا يريد أن تصل صورته للأهل والأصدقاء وهي بتلك الشحوب والانهيار الجسدي والمعنوي.
يخاطب الشاب العالم محاولا استنهاض إنسانيته؛ ” أحاول بكل الطرق إيصال معاناتنا للإعلام المحلي في صربيا والأوروبي، كما أنني أحاول سرد القصة من خلال فلم وثائقي، تشرف عليه بشكل مباشر المخرجة اليمنية سارة إسحاق، والتي في الحقيقة وقفت معي وساندتني طوال الرحلة، لكني وصلت لمرحلة لم أعد قادرا على الاستمرار، ومن فترة نسيت موضوع الفلم تماما، ولا أريد سوى النجاة بحياتي والخروج من هذا الكابوس ولا مجال لنجاة بعد توفيق الله سوى بمعاونة مهربين “.
يبدو الوضع الاقتصادي في البلد كارثي وصعب، جراء الحرب والحصار، وارتباك المشهد العام، ما يدفع بجيل الشباب للتسرب والضياع والهجرة النظامية والغير نظامية خارج البلد، ما يفاقم المشكلة بالداخل ويعرض الآلاف من الشباب للنهايات المؤسفة والمخيبة للآمال، لتبقى قضية ” فهد “صرخة في وجه الضمير الإنساني، وصورة مؤسفة لما يعانيه الشباب بمحافظة إب واليمن والوطن العربي، وحالة تستدعي التدخل والوقوف أمامها بكل حزم وإصرار.