أنتِ تستطيعين..

إب7 press
أسرار الدحان

كانت تلف ثوبها حول نفسها وعيناها تتأمل من حولها بخوف، وتعلقت عيناها بعيناي طويلاً، كانت تتأمل نظرتي المتسائلة، بينما حروفها تتخبط بين شفتيها المشققة.

 

اقتربت منها، رفعت جزءاً من رداءها الأسود المهترئ، وقعدت جوارها فالتفتت مستغربة، ثم ابتسمت بكل حب،

بعدها بادرت، ” أنا هنا منذ ساعات الصباح الأولى، تحت حرارة الشمس، وبين برودة الرياح، في النهاية ملني هذا الرصيف الحجري بينما أنا تعلقت به وكأنه أملي بعد الله “

 

نظرت بعد ذلك بعيدا في الأفق، حيث السحب والطيور تتسابق بفرح قائلة: ” كنا نعيش عائلة سعيدة أنا وأربع من البنات وولد مع والدهم الذي كان يعمل في التجارة وكانت حياتنا رغيدة، لم نعرف الحزن أو الخوف يوماً، إلا أن أصيب زوجي بالمرض الخبيث ” السرطان” فالتهم جسده سريعاً، بينما نحن خسرنا كل أموالنا وممتلكاتنا مقابل علاجه.

 

وتكمل، وبعد صراع مرير مع المرض غادرت روحه الطاهرة الى بارئها، ورأسه في حجر أبنته الصغيرة، التي كانت تحبه بشغف ومتعلقة به بجنون، فلا تنام إلا بجواره ممسكة بيده ومن هول صدمتها والوجع الذي أصاب أعماقها انفجرت أوردة في عينيها فاختلطت دموعها بدم قلبها الصغير ومنذ ذاك الوقت وعيناها تنزفان دماً كلما احست بالزعل او الوجع.

 

تواصل، في البداية تعاطف معنا الكثير، ولكنهم مع الأيام تساقطوا واختفوا، وتحججوا بحجج واهية، تخلى عننا الجميع أخواني وأخوة زوجي، وحتى أخي الوحيد، سندنا في هذه الحياة، تزوج ورحل إلى محافظة أخرى، ولم يعد يتذكر الأيام الصعبة التي كنا نتقاسم فيها الوجع ونقف صفاً واحداً للدعاء.

 

 اختنقت بالدموع والالم الذي تحملته طويلاً فانهارت باكية، ” أنا أسكن في غرفة وحيدة مع بناتي الثلاث وابنتي المريضة، واتحمل الإيجار ومصاريف المعيشة الصعبة، ولا أمتلك حرفة أقتات منها وأساعد بناتي لإكمال تعليمهن ومنح الفرصة لهن بعيش كريم، ولو قليلاً، حتى يكملن تعليمهن ويستطعن مساعدتي في تبعات مشقة الحياة”.

 

وتستكمل سرد معاناتها، ” بناتي يدرسن، لكن بصعوبة بالغة، حيث مصاريف المدارس تثقل كاهلنا.. ثم التفتت لتتأكد هل أستمع لها.. فأمسكت يدها بحزم وعيناي تملأها الإصرار والطموح قائلةً: مكانكِ يا سيدتي ليس هنا، أنتِ لا تستحقين كل هذا العناء، ينبغي أن تصنعي تحول في حياتك”.

 

اتسعت حدقات عيناها باستغراب متسائلة: قاطعتها قبل أن تبادر بأسالتها الحيرى، هناك العديد من المنظمات والمؤسسات المدنية كاتحاد نساء اليمن وغيره، وكذلك هناك الكثير من المعاهد والمنتديات النسوية تستطيع حل مشكلتك ببساطة فهن يكسبن النساء مهارات مختلفة (كالخياطة – والتطريز – والاشغال اليدوية – وصناعة البخور والعطور …..)، وكذلك تقدم هذه الأماكن منح لمن تمتلك مشاريع ناجحة.

 

” ابتسمت وأشرق وجهها”، ثم همستُ: لها أنتِ تستطيعين صنع ما يظنه البعض مستحيلاً، سأكون معك كلما سمحت لي الفرص، كتبت لها العنوان مبتسمة وهممت بالرحيل، لكنها أمسكت يدي وغسلت هموم قلبي واثقال روحي بدعواتها الجميلة، مسحت دموع عينيها وقبلت رأسها ورحلت.

 

كان هذا الكلام قبل أشهر، اليوم زرتها في مقر الاتحاد، وشاهدت إبداعها ونظرتها الحديدة للحياة الممتلئة بالأمل، لقد أبدعت كثيرا في مجال صناعة الاكسسوارات وتحسنت حالتها النفسية والمادية وبدأت بالتحسن صحة ابنتها المريضة، وذلك بعد قدرتها على العمل والإنتاج ودفع ثمن علاجها.

 

ثمة نساء وفتيات وشابات انطلقن في مضمار الحياة بمجرد أحلام فحققن ما يصعب تخيله وكسرن النظرة النمطية للمرأة، ثم استطعن مناهضة العنف ضدهن، حيث تعلمن العديد من الحرف منها الكوافير، والتجميل، وهندسة الجوالات، وأصبحن نساء فاعلات، طموحات، قادرات على إدارة أزمات الحياة بقوة وعزيمة تفتت الجبال، وأتمنى من كل قلبي أن أراهن مديرات لمشاريع ناجحة، فلا شيء مع الأمل والعمل يسمى صعباً أو مستحيلاً.