في إب .. محارم للإيجار
إب7 press
سماح عملاق
تبحث أبرار في كل مرةٍ تحتاج فيها للتسوق في مدينة القاعدة عن محرمٍ للإيجار من أطفال قريتها التي تقع في إحدى عزل مديرية السياني.
أبرار فتاة جامعية في الثلاثين من عمرها، يتيمة الأبوين، لديها أخت وحيدة متزوجة لإحدى المدن.
تسكن أبرار مع جدتها، وتضطر للخروج نحو مدينة القاعدة دوريًا للإيفاء بمتطلبات المنزل وشراء الدواء.
تقول “أني بصراحة أتعب جدًا كل مرة لأني أجلس أراضي عيال الجيران عشان ينزلوا معي للقاعدة كذا محرم قدام الناس”.
تضطر أبرار للتعاطي مع ابتزاز المحارم الصغار؛ فتدفع الأجرة مضاعفة، وتؤجرهم بمبلغٍ من المال يسموه “شقاءهم” أي عناءهم وثمن وقتهم المخصوم من وقت اللعب، وتخضع أبرار لمتطلباتهم الطفولية هناك في المدينة لتشتري لهم الحلوى، والآيسكريم، والشبس وما تشتهيه أنفسهم.
تكمل أبرار: “غالباً حالتي المادية ما تسمحش إني أتخسّر على الجهال، فيتثاقلوا وما يرضوش يجو معي، وتجلس جدتي بلا دواء”.
تحكي لنا أبرار تجربتها مع جيرانها الكبار بامتعاض :”كنت زمان أجيب الفلوس لجارنا الذي ينزل للمدينة عشان يشتري لي بعض المقاضي والدواء الضروري، وكان يحتال عليّ ماديًا ومعنويًا، فتظل الفلوس عنده أيام ويقول إنه نسي”.
بحديثها الأخير تبرر أبرار تولي خدمة نفسها بنفسها، لكنها مع ذلك تنتقد عادة المجتمع القروي الذي يقضي بضرورة خروج المرأة مع محرم بقولها: “أولًا أنا لا أملك محرما، ومحارمي الذي أستأجرهم ليسو محارمي شرعًا وإنما تقليدًا، وأيضًا لم يسألني أحد من قبل ماذا يقرب لي الذي يجلس جواري في الباص أو السيارة، هم لا يحمونني من أي أذى، بل أنا الذي أحميهم وأنتبه عليهم حتى على مستوى قطعهم للشارع”.
يشكّلون محارم أبرار عبئًا إضافيًا عليها ماديًا ومعنويًا، وتتعرض للمساءلة من قبل الأمهات عقب إيابها، وهي المرأة البالغة المتعلمة التي باستطاعتها تولي أمرها وحماية عرضها، وقضاء حاجتها دون الحاجة للغريب وابتزازه.
اضطرت أبرار قبل أيام للسفر ساعةً إلا ربع وحيدةً نحو مدينة القاعدة لشراء حاجيات طارئة، كونها لم تجد طفلًا يبادر بمرافقتها بسبب انشغالهم بالامتحانات الشهرية، شجعها أحد سكان قريتها بأن ذهابها وحيدةً لا يتعارض مع الدين في شيء؛ معلّلًا ذلك بقرب المسافة وأمانها وأن الضرورات تبيح المحظورات وكذلك توفر باصات كثيرة بحكم أن السياني والقاعدة أصبحن مدنًا بعضهن من بعض.
تشرح أبرار:”أنا مقتنعة بما قال الحاج ناجي تمامًا كون الإسلام قضى بألا تسافر امرأةً مسافة يومٍ وليلة إلا مع ذي محرم، والتكنولوجيا الحديثة قد تتيح لي خلال هذه المدة الذهاب نحو قارةٍ أخرى بالطائرة، هذا حين تتوفر شروط الأمان طبعاً”.
قررت اليوم أبرار أن تكسر حاجز الخوف من المجتمع بتشجيع الحاج ناجي، وأوقفت الباص ثم ركبت جوار سيدةٍ أخرى نحو مدينة القاعدة.
تشعر أبرار بالرضا عن نفسها مستغربةً ذلك :” شعور ضخم لما تحسي حالك مالكة لنفسك، قادرة على قيادة دفة حياتك، اليوم بس وفرت فلوسي وأنا بحاجة ماسة لها، واشتريت راحة بالي، وأما الناس يقولوا الذي يشتوه هم لا يمرون بما أمر به، ومش عارفين ظروفي، من اليوم قررت أركب وحدي للقاعدة وشرفي شرشفي، والذي بيقول كلمة عن أخلاقي أتحداه يواجهني “.
وتختم أبرار:”وأقول لكل سيدة مكافحة قررت كسر حاجز العادات اللعينة، ثقي بنفسك وكوني عند حدود الثقة والاعتداد بالنفس، حتى يثق ويعتد بك الجميع من حولك”.
ليست أبرار وحدها من تخضع لهذه العادة رغم قدرتها على كسرها، لكنها أنموذج لسيدةٍ قررت أخيرًا أن تواجه المجتمع، وتتسوق دون مبالاةٍ لأحد.