قحزة .. مملكة الفخار

إب7 press
نشوان النظاري – طاهر الزهيري

تقع منطقة قحزه على أطراف مدينة إب،  في الطريق الرابط بين المدينة ومديرية العدين،  وهي إحدى قرى عزلة انامر بمديرية الظهار التابعة لمركز المحافظة،  وبلغ تعداد سكانها 2210 نسمة حسب آخر تعداد للسكان في اليمن وذلك بالعام 2004.

تشتهر قرية قحزة، وقد امتدت أخيرا على جانبي الطريق الأسفلتي، بصناعة الفخار بأنماطها وأشكالها الحديثة والتقليدية وألوانها الزاهية المتعددة والمتميزة منذ عقود من الزمن ولا تزال محافظة على سماتها الفنية وطابعها الفلكلوري حتى هذا اليوم.

  •  موروث ثقافي وحضاري

تعد الصناعات الفخارية من أقدم الصناعات الشعبية في المحافظة،  وثمة من يقول إن اليهود اليمنيين هم من أوائل من كان يعمل بهذه الحرفة قبل خروجهم من اليمن، ولعل الحفريات والشواهد التاريخية والقطع الفخارية المحرزة في الهيئة العامة للآثار دليلا على قدم هذه الصناعة وعلى دلالتها الحضارية والتاريخية.

ويرجع السبب في ذلك إلى أن طبيعة المادة الفخارية تمنحها القدرة على البقاء لفترات طويلة جدا دون أن تؤثر عليها عوامل التعرية،  لذا فهي تحدد الفترة الزمنية لأي حضارة وطبيعة الموروث الثقافي.

  •  تراجع

وبالرغم من أن تاريخ صناعة الفخار في اليمن يرجع إلى حوالي 2600 قبل الميلاد وفق العديد من المصادر التاريخية،  إلا أنها شهدت ركودا اقتصاديا في الوقت الراهن جراء الحرب والحصار وتوقف المرتبات والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلد.

ناهيك عن المنافسة التي شهدتها مؤخرا من قبل المنتجات المستوردة المصنوعة من البلاستيك والزجاج وغيرها.

يؤكد نور الدين المشوري، تاجر في مجال بيع جميع أصناف الفخار، ويمتلك محلا على الطريق العام في منطقة قحزة، أن هذه الحرفة يتجاوز عمرها في المنطقة منذ أكثر من 100 عام بحسب تقديراته الشخصية،  لكنه يشير إلى أنها لم تعد تشهد رواجا كما كانت.

وبين نور الدين أن إغراق السوق بالمصنوعات المستوردة أثر تأثيرا بالغا على مبيعات المنتج، موضحا أن جودة المنتج تعتمد على نوعية التربة، وإتقان العمل، والتطوير في الزخرفة والتشكيلات الخارجية.

  • عن كثب

توجهنا إلى القرية المتاخمة للطريق الاسفلتي،  وعبرنا الممرات الترابية الضيقة،  والازقة الحجرية،  وشاهدنا حضور الفخار في كل ركن وزاوية في القرية، استرقنا بعض النظرات للنسوة والفتيات وهن يقمن بتحضير وصناعة الأواني الفخارية داخل غرف مصنوعة من الزنج يسمونها ” الصندقة”، وهي عبارة عن فرن حجري يسمى ” المحراق”، وبعد ذلك شاهدنا مجموعة أخريات يقمن بإخراج بعض الأعمال الفخارية حديثة الصنع إلى الشارع حتى تمتص أشعة الشمس الرطوبة، ومن ثم تعاد للمحراق، وتلك هي المرحلة الأخيرة،  ولم نستطع إجراء حديث صحفي أو التصوير مع تلك النسوة كون النساء هناك لا يتحدثن مع الغرباء مطلقا.  

  •   حرفة متوارثة

مبارك أمين أحمد،  30 عام،  يدير محلا لبيع الفخار منذ أن كان طفلا،  توارث الحرفة عن أبيه،  وتعد مصدر دخله الوحيد،  وتعمل كافة أسرته نساء ورجال في هذه المهنة منذ زمن.

يعرض ” مبارك ” في محله عدة أنواع من المنتوجات الفخارية،  حيث يبيع ” الموقد،  المدرة،  البوري،  جرة الماء،  مبخرة،  مساخن للسمن،  تنورات،  قدور،  اكواز،  كعد خاصة بالسمن “.

يقول ” مبارك “أن المواد المستخدمة في صناعة الفخار عبارة عن التراب العادي والرمل،  لكنه يؤخذ من أماكن معينة،  يتم بعد ذلك نخله،  ومزجه بالماء،  وتنقيعه،  حتى يتحول إلى شكل طيني هولامي يشبه العجينة،  بعد ذلك يتم تشكيله بطريقة يدوية أو بالمغزل، عبر الطلب،  ويتم إدخاله إلى النار عبر محراق كبير.

وتدخل في صناعة الفخار في اليمن،  عدة مواد طبيعية، أهمها الطين اللبني الذي يوجد على شكل خيوط حمراء في باطن الأرض والجبال ويطلق عليه اسم التراب الأحمر.

يستخدم الحرفيون هناك عدة طرق لصناعة الفخار،  فالبعض يستعمل اليد فقط،  فيما البعض الاخر يستعمل الة المغزل،  ويختلف الوقت الذي تتم فيه إنجاز المنتج الفخاري حسب نوعية كل شكل وحجمه والغرض من صناعته،  وقد تم إدخال تحديثات جديدة على المنتج الحديث مثل وجود حنفيات،  وطلاء فني حدث،  وزينة وزخرفة عصرية.

توارث

يتوارث المهنيون هذه الصناعة أجيالا بعد أخرى،  إذ يبدأ الأب بتدريب إبنه تدريجيا،  حيث يبدأ بمعرفة العناصر الأولية والمقادير المطلوبة،  ومن ثم يبدأ بصنع وعمل النماذج الصغيرة مثل الفنجان والكأس والصحن، وإذا أتقن ذلك بدأ التدرب على صنع النماذج الكبيرة.

  • استخدام صحي ومتعدد الأغراض

تتميز الأواني الفخارية أنها متعددة الاستخدام وبأسعار رخيصة،  وكل المواد الغذائية التي تستعمل في طياتها تحمل مذاقا لذيذا،  فالأواني الفخارية الخاصة بالأطعمة الساخنة تحتفظ بدرجة حرارتها لفترات طويلة،  فيما الأواني المستخدمة للماء والمشروبات الباردة فإنها تقوم بتبريدها وفلترتها تلقائيا عبر الرشح من خلال مساماتها متناهية الصغر، كما يؤكد اختصاصيون في الأغذية أن الطبخ في الأواني الفخارية صحي جدا،  ولا يشكل خطرا كما هي الحال مع الأواني المصنوعة من البلاستك أو غيرها أو التي تعتمد على ضغط البخار.

  • عزوف

شحة البيع، وغلاء توفير المواد الأولية لصناعة الفخار دفع بعدد كبير من حرفي هذه المهنة إلى تركها،  والبحث عن أعمال أخرى،  إذ يقول ” مبارك ” أن العديد من أبناء القرية من الحرفيين المشهورين تركوا المهنة وذهبوا للاغتراب في دول الخليج،  وبعضهم امتهن أعمال أخرى بعد أن وصل لقناعة أن تلك الحرفة لم تعد مجدية اقتصاديا،  ولم تعد تغطي حتى النفقات الأساسية ومتطلبات الحياة. 

ولعل من أهم الأسباب لكساد تجارة المصنوعات الفخارية إغلاق المنافذ،  وعدم دخول السياح للبلد،  والذين كانوا مولعين بهذه المنتوجات،  وقد قدر تقرير صادر حديثا لقطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي بالتعاون مع اليونيسف والبنك الدولي،  أن تصل الخسارة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حوالي 181 مليار دولار في حال استمرت الحرب في اليمن عامين إضافيين.

  • مناشدة

يناشد ” مبارك ” المنظمات والصناديق الدولية المهتمة والداعمة،  بالاهتمام بهذه الصناعة،  حتى تستعيد بريقها،  وتطور من أساليب إنتاجها،  وإدخال التحسينات العصرية عليها،  كونها ما تزال خيارا مفضلا لدى الكثيرين من المواطنين.

يواصل العديد من الحرفيين في منطقة قحزة العمل بهذه الحرفة،  متمسكين بهذه المهنة حتى آخر أعمارهم،  إلا أن أعدادهم يتناقص سنة بعد أخرى جراء انخفاض الطلب على المنتج الفخاري،  لكن الحقيقة الماثلة أن المطبخ اليمني،  وأغلب المطاعم لا يمكنها أن تستغني عن الوجبة اليمنية الشهيرة ” السلتة “، والتي لا يمكن أن تُعد بغير ” المدرة “الفخارية.