طقوس الموت في الريف

 

إب7 press
عمران هلال

 

ما إن تأتي مناذر الموت في الريف البعيد لأقاصي هذه المدينة حتى تتوالى الأحداث التقليدية التراجيدية تباعا، ووفقا للعرف المتعارف عليه منذ القدم ومبدأ الأصول القبلية والممزوجة ببعض تعاليم الدين من حيث طقوس التشييع ومظاهر تقديم العزاء وفتراته المتقطعة والتي تختلف كما ونوعا من منطقة إلى أخرى ومن عرف قبيلة إلى أعراف قبلية أخرى.

 

ففي مديرية ذي السفال، بمحافظة إب تبدأ طقوس الموت باختيار مكان وموعد الدفن والذي يتم تحديده حسب التصنيف التالي، إن كان الميت لديه أبناء بالغي سن الرشد وزوجة فهم من يحددون موعد الدفن ومكانه، وأما إن كان الميت لديه اب وام فأن ابواه هما من يحددان موعد الدفن ومكانه وإن لم يتواجد فبقية الأهل الأقرب فالأقرب هم من يحددن موعد ومكان الدفن.

 

وسرى العرف أن يجلب المتوفي أولا الى منزله ليتم تقبيله قبل الوداع من قبل اهله وذويه وأقاربه إن كان قد توفي في مكان ما كالمشفى أو في أي الحوادث العرضية بعيدا عن بيته واهله وبعد أن تلقى عليه تحية الوداع من قبل النسوة المتشحة بالسواد والمحبين والاقرباء، يتم غسله إن لم يتم غسله في مكان موته وذلك في المسجد أو في بيته بواسطة مغسل شرعي بمشاركة أحد اقربائه المقربين ليشرف على عمليه غسله.

 

بعد ذلك يتم تكفينه بواسطة كفن أبيض مخاط باليد ملفوف على ثلاث لفات يتم فيه ستر كل جسده ولفه فيه لفا محكما مع ربطه بواسطة رباطات من ذات الكفن.

 

ثم تأتي بعد ذلك دور المعطرات والمنكهات التي تعتبر من الواجبات التي يجب إدخالها مع الميت من عطور مخصصه للموتى يتم جلبها من سوق العطور

وهي عجور زيتيه ذات نفاذية عالية، وفترة بقاء أعلى تصب على كفن الميت من رأسه وصولا إلى أقدامه وبمقدار من ٥٠ إلى ٧٠ مل ويختلف من شخص إلى اخر بحسب التوفر والإمكانيات.

 

تلي ذلك وضع المتوفي على النعش ويبدأ المشيعون بحمله مشيا على الأقدام إلى ضريحه ولا يسمح للناقلات أو الشاحنات بنقله بعد وصوله بيته مهما كانت المسافة بعيده أو قريبه إلى المقبرة.

 

وعند وصوله للمقبرة بواسطة موكب تشيعي كبير يتم تجميع بقية الناس وتقديم واجب الصلاة عليه بحسب العرف الإسلامي المتعارف عليه، ومن ثم ينقل إلى المقبرة حيث قبره، ويصطف الناس جميعا للنظر إلى مراسيم دفنه ويشارك الغالبية في الدفن.

 

يتم بعد ذلك وضع الجثمان في قبور تشبه الغرف غالبا ما تحفر لتضم أفراد العائلة، بما تسمى ” مجنة ” وهي عبارة عن غرفة عميقة في التربة الكربية الصافية، وتسمى الباحة وتتفرع منها عدة غرف جانبية لعدد أفراد العائلة غالبا ما تكون ما بين ال 4 وال 6 غرف كل غرفة مخصصة لشخص.

 

وعند ذاك يتم صب الكافور الأبيض ذو الرائحة المميزة على الميت والشقر وهو نبات الريحان ذو الرائحة النفاذة والحنى وهو نبات تجميلي صبغي يستحب وضعه مع جثة الميت ويتم وضع الأحجار لسد بوابة غرفة الميت، مرددين مع كل حركة قول ثبتك الله بالقول الثابت، ومن ثم يتم دفن الباحة المتفرعة للغرف بالتراب حتى تحفر مرة أخرى لميت آخر.

 

توضع عقب ذلك العلامات الحجرية من جوانب ومشهد على القبر وفي المراحل الاخيرة من الدفن يصطف أهالي الميت الأقرباء بجانب المقبرة ليستقبل الناس المعزون وهم يسلمون عليهم ويربتون على أكتافهم، ويردد القادمون المعزون هذه الكلمات

” عظم الله اجركم، اثابكم الله في مصابكم، عصم الله على قلوبكم، رحم الله فقيدكم” مصحوبا بالسلام والمصافحة ومن ثم ينصرفون، ويرد اهالي الميت بقولهم ” شكر الله سعيكم، كتب الله اجوركم، رحم الله ميتنا وميتكم وهكذا حتى تكتمل مراسم الدفن وينصرف كل من على المقبرة.

 

بعد مراسم الدفن، يُدعى الجميع إلى وجبة الغداء والتي غالبا ما يقيمها أهالي الميت لروح ميتهم لكل الفقراء والمساكين والمشيعين ويتم فيها توزيع اطباق الغداء على البيوت المستضعفة من الفقراء مكونة من اللحم والأرز والمشكلات.

 

فيدخل المشيعين أو البعض منهم في وجبة الغداء إن كان التشييع صباحا، فيتناولون الغداء ومن ثم يذهب الجميع إلى مجالس العزاء. والتي تعد لاستقبال المعزين في بيوت الجيران المحيطة ببيت الميت ويصطف أهالي الميت على أبواب المجالس لاستقبال الناس والسلام عليهم وتناول شجرة القات معهم، ويتم توزيع الماء ضمن طقوس التشييع.

 

ويحدث بمجلس العزاء قراءة سورة ياسين وترديد بعض الآيات والأحاديث الداعية إلى الاتعاظ والتصبر على المصاب وسرد محاسن الميت وما بين ساعة وأخرى تُقرأ سورة الفاتحة والإخلاص إلى روح الميت ويُدعى له بالرحمة والثبات وتستمر طقوس استقبال التعازي للأيام الثلاث الأولى من الدفن، واشدها يكون في اليوم الثالث الذي يتميز بإقامة وجبة غداء كبيرة للجميع، خاصة من القادمين من أماكن بعيدة والجيران والمحبين وتستمر بنفس طقوس اليوم الأول، ثم تتوقف الطقوس عدا من الزيارات للمتأخرين عن تقديم واجب التعزية إلى اليوم التاسع والعاشر من الدفن والذي يشهد حشدا كبيرا للمعزين باختيار أحدهم أما التاسع أو العاشر من الموت.

 

وتتوقف كامل مراسم التعزية حتى حلول يوم الأربعين من موعد الدفن والذي يشهد حضور للمعزين ومقدمي التعازي لليوم الأخير من مراحل الدفن.

 

يشار إلى أنه في خضم كل هذه الاحداث الممتدة ل 40 يوم تلتزم كامل النساء من أهالي الميت بعدم التبرج أو تشغيل الأغاني، وما إليه أو لبس الضيق وما إليه أو الاحتفاء بكل مظاهر الاحتفاء حتى انقضاء المدة ويمنع خلال العشرة الايام من التشييع إقامة حفلات الزواج في كامل القرية والقرى المجاورة كاحترام تقليدي.

 

بعد العشر يسمح بالزواج ولكن دون رفع الاغاني الاحتفالية عبر مكبرات الصوت، وتتوالى النسوة المعزية المتشحة بالسواد لتقديم واجب التعزية لأهالي الميت من النساء مقدمين واجب العزاء ودعم أقرب الناس له ممثلة بأمه، إن وجدت أو زوجته بما يستطيعون من مبالغ ماليه زهيدة تتراوح من ٥٠٠ و١٠٠٠ريال ولا تزيد عنها كجزء من دعم واسناد قلب امه او زوجته خلال ال 10 الايام الأولى من الدفن مع عمل محاضرات وعظ بالدين وتصبير أهالي الميت وذويه واثابتهم الأجر.

 

وتختم كل هذه الطقوس في الأربعين من يوم دفنه لتعود الحياة إلى طبيعتها ويتم تقاسم الإرث أو توزيعه كموعد مهم لاستعادة طبيعة الحياة.