إب7 press
نشوان النظاري l مقال رأي
يستحق الفنان الكبير عمنا وحبيبنا الاستاذ يحيى ابراهيم ان نطلق عليه لقب فنان الشعب ومعشوق الجماهير بلا منازع، ذلك ان للرجل حضور طاغي وحاشد في الاوساط الشعبية الواسعة وحتى الريفية البعيدة عن مراكز المدن الرئيسية.
كنت برفقته البارحة بمعية الزميلين الصديق طاهر الزهيري، والصديق جلال الدعري، في قرية الربيض عزلة بني مدسم مديرية ريف إب في منزل التربوي الشهم، الاستاذ محمد امين الشهاري، لتلبية دعوة نجله الاوسط ” حذيفة”، ولتلك الدعوة قصة سأسردها لاحقا.
تحركنا باكرا صوب الطريق المؤدية من مدينة إب الى مديرية العدين، والتي تقع القرية على امتدادها، ولم نصل إلا بعد الظهر، جراء تدافع المارة وسائقي السيارات ورجال الامن والمرور والباعة الجائلين لتحية فنان احبه الجمهور حد الهوس.
لقد كان طريقا طويلا بالرغم انه في العادة لا يتجاوز النصف ساعة، بيد انه وبصحبة الفنان ” يحيى ” بدا المشهد مختلفا تماما، فكل شيء كان يقابلنا في الطريق يتوقف، البشر والحجر والشجر، كلما مررنا بأحد أطلق العنان بابتسامة عريضة، الجميع يبعث بتلويحات طاهرة نقية حميمية مفرطة بالحب والدهشة.
التواضع وحب الناس، ودماثة الاخلاق سمة تحلى بها حبيبنا يحيى، وقد تجلت في أبهى صورها من خلال تفاعله مع المواطنين والاطفال ومداعبته للجميع بمن فيهم النقاط الامنية ورجال الشرطة وحتى المتسولين.
عند الظهيرة كنا هناك، معلقين في ثنايا الجبل الشامخ، مندفعين خلف مكالمات ارشادية من فتى يبدو انه يجيد ما يصنع، ويثق بقدراته جيدا، إذ أكثر ما يحتاجه جيل اليوم من وجهة رأيي حس المبادرة وكسر الحواجز والإقدام الخاطف، ليحقق اهدافه في عالم متسارع ومندفع، وكذلك استغلال ما هو متاح اليوم، حتى لا يكون في الغد مستحيلا.
ما إن علم اطفال القرية بنبأ وصول نجم اليمن واسطورته الفنية القيمة حتى احتشدوا في منزل حذيفة، وبدأت كاميرات الهواتف الذكية في توثيق حدث استثنائي في تاريخ القرية.
عندما أطل الاستاذ يحيى ابراهيم ذات صباح في حوار على أحدى الشاشات الخليجية، سألته المذيعة عن حجم أرصدته البنكية، كان رده الوحيد ان لديه رصيدا واحد يتمثل في حب الجماهير، والذى جلب له في احايين كثيرة العديد من المتاعب لا سيما عند خروجه مع والده وافراد عائلته.
ينحدر الاستاذ يحيى ابراهيم من عائلة يمنية أصيلة وعريقة، في مدينة صنعاء القديمة، والده من علماء اليمن ورمز ديني واجتماعي بارز في العاصمة، لديه ثلاثة ابناء وبنت، اكبرهم الفنان الشاب المعروف عبدالله ابراهيم.
والد الفنان يحيى، رجل تقليدي محافظ، وشخصية اجتماعية صارمة، اوقف الاستاذ عن التمثيل عدة مرات، لا سيما بعد تعرضه لجملة من المواقف الساخرة من قبل معجبين، مندفعين بحب جارف، ومشاعر منفلته، وبحضرة والده.
في الآونة الاخيرة أيقن الوالد ان نجله يحمل رسالة عظيمة، وانه قدم فن هادف كسب حب الناس واحترامهم، وأضحى بالنسبة له ولليمن رمزا وفخرا ومشروعا وطنيا مشرفا.. لقد قال له مازحا ذات مساء دافئ في ليلة قمراء نسي الصقيع طريقه للعاصمة، لقد اصبحتوا يا يحيى مشهورين أكثر مننا شخصيا، وقد امضينا عمرا في التفقه، وإدارة المناصب العليا.
أعود لدعوة الفتى حذيفة، عندما نما الى علم ذلك الفتى عبر منصات التواصل الاجتماعي، مكوث الفنان يحيى ابراهيم في مدينة إب في مهمة تصوير العديد من الاعمال الفنية، والتي اغلبها عبارة عن دعم للشباب وتحفيز معنوي لطاقاتهم الابداعية، ولقد مثل وجوده ومشاركته الشرفية في بعض الاعمال دفعة حقيقية وصادقة لجيل هو في ذروة احتياجه لتلك الجرعات التنشيطية، قام – اقصد الفتى- بإجراء العديد من المحاولات الحثيثة عبر مراسلة الفنان، والحصول على مقر اقامته.
ولأنه فنانه المفضل، فقد تحرك على الفور الى مقر اقامة الاستاذ وطلب مقابلته، استقبله العم يحيى بصدر رحب واخلاق رفيعة، وعندها استغل الفتى انسيابية ورحابة صدر فنان اليمن العملاق وقام بدعوته لقريته، فما كان من استاذنا إلا قبول الدعوة، وتأجيل سفره المقرر للغد.
يقول الاستاذ محمد الشهاري، ينحدر من أسرة عريقة وكبيرة بالمنطقة، انه لم يصدق هرطقات نجله، وتلبية فنان كبير بحجم الاستاذ يحيى لمنزله، وتكبده مشقة الطرق الترابية الوعرة، لكن اصرار نجله على اعداد وتجهيز مأدبة غداء تليق بحجم رجل قدم للفن اليمن، جعله يمضي ويذعن لإملاءات الفتى العنيد، محدثا نفسه، لن تكن مجازفة البتة، ولن تذهب تلك الجهود سدى، فحتى وان لم يحضر الاستاذ فقد نلنا شرف التواصل والمحاولة.
استقبلنا الرجال والاطفال بحفاوة وترحاب ابناء الريف الكرماء والانقياء، لقد شعرنا ونحن في ضيافتهم بعالم يفيض انسانية وبهجة ومحبة لكل القيم النبيلة والسامية.
عندما تقدم فنا هادفا وتختار اعمالك الفنية بعناية فائقة، حتى ولو على مستوى دخلك المادي، فإنك تبني مع الايام تاريخا من المجد والاحترام، لذا فلا غرو ان يقدم فناننا الكبير اعماله الفنية وعروضه المسرحية في صنعاء وعدن وحضرموت ويعبر نقاط اليمن على امتدادها بكل حب وتقدير من الجميع، كحالة نادرة، واستثنائية.
الاستاذ يحيى ابراهيم، قامة فنية وطنية سامقة، وتاريخا مرصعا بالحب والابداع، خدم الحركة الفنية لأكثر من ثلاثة عقود قدم خلالها اعمالا ما تزال محفورة في عقلية ومخيلة الجماهير.