إب7 press
أسرار الدحان

” لم أسمع يوماً أن رسول اللّه عاب عملاً، أو أنه نهانا عن عملاً بعينه، ولا أعتقد أن العمل كان مصدراً للعيب او الازدراء ما دام ذلك كان بالحلال وبالطرق المشروعة”، هكذا تحدثت منار ذات الثمانية والعشرين عاما، وهي ام لأربعة من الاطفال، وعائلهم الوحيد مغترب في دول الخليج.

تقول منار:” كنت واطفالي نعتمد في معيشتنا على الحوالات النقدية التي كان يرسلها الاب من الغربة، لكن الاوضاع تغيرت، فمنذ فترة لم يعد زوجي يرسل فلسا واحدا جراء ارتفاع تجديد الإقامة والمعاملات القاسية التي تعرض لها المغترب اليمني في دول الخليج، وفرض رسوم مجحفة، وهذا ما ادى الى تراكم الديون علينا”.

وتكمل، ” التحقت بالعديد من الدورات في مجال التجميل إضافة إلى هوايتي في هذا المجال فأحببت أن يكون ذلك مصدر دخل لي ولأطفالي، فاقترضت مبالغ مالية وبعت بعض صيغتي الذهبية، وبدأت بتجهز المكان الذي سأنفذ فيه مشروعي”.

تضيف صديقة منار المقربة، والتي كانت متواجدة اثناء اللقاء:” كانت فرحتها لا توصف لأنها ستكون امرأة فاعلة ومؤثرة في المجتمع، وستستطيع أن تعين زوجها بظروفه القاسية التي يمر بها، كما هي عادة المرأة اليمنية المتفانية “.

وتواصل سرد معاناة واصرار صديقتها، ومنار تحملق في وجهها بذهول واندهاش،” سهرت الليالي وظلت أيام متتالية تجهز المكان وتشرف على ديكوره ثم قامت بتجهيز لوحة المحل، وكانت عينيها تلمع بكل حب وشوق وتطلع، لقد كانت الدنيا بنظرها تختلف وتتلون بألوان الربيع الزاهية وهي ترى أحلامها تتحقق شيئا بعد اخر “.

وتختتم الصديقة مداخلتها عند هذا الجزء:” جاء اليوم الذي علقت منار فيه اللوحة وتوافدت النساء لمحلها المزين بالألوان الأنثوية الجذابة، والرسومات العصرية لأدوات التجميل، لقد كان يوماً لا يوصف بالنسبة لها، وبدأت تستقبل زبونات عملها الجديد ونظرا لبراعتها وإبداعها في هذا المجال توافدت النساء وأصبحن يتدافعن على المحل، وسرعان ما استقبلت نساء أخريات هن العائل الوحيد لأسرهن ليشتغلن معها كمساعدات وبدأت أحوال الكثير من الأسر تتغير وتتحسن للأفضل..”.

تخرج منار عن صمتها وتتحدث :” كانت اجمل لحظات عندما شعرت بتحقيق الذات، لكن كل شيء انهار، ففي صباح احد الايام وبينما المحل يغص بالزبونات اتفاجأ بصوت وصراخ رجولي، وبدأت اسمع أصوات تكسير زجاج، وتحطيم للوحة المحل وبدأ الصوت يقترب فتصبح حالة الذعر والخوف داخل المحل لا توصف،  فالنساء بدأن بالتدافع والهرب، فمنهن من اختبأت داخل المحل واخريات استطعن الهرب والخروج، حتى ظهرا الرجلان اللذان يقومان بهذه الكارثة، احدهما كبير بالسن والاخر متوسط العمر، ودون تردد قام بتحطيم المحل من الداخل، والانقضاض على جميع محتويات المحل وديكوره، والمفاجأة الاشد ايلاما ان الجناة والدي، وشقيقي الاكبر، وهنا كانت الصاعقة شديدة”.

وتسرد منار ما تبقى من القصة، ” حاولت منعهم، وانا اصرخ وابكي، لكن دون جدوى، فمع تحطم جزءا من المحل كانت تتحطم احلامي، كنت اتوسل لهم بان يخبروني لم كل هذا.. ما السبب.. ويأتيني الرد كالصاعقة، ” انتِ بنت فلان وتشتغلي بهذه الاعمال بتزيين النسوان “، حاولت ان اترجيه وافهمه ظروفي زوجي الصعبة في ارض الغربة، وانا العمل الحلال ليس عيبا، فما زاده ذلك إلا غضبا، وقبل ان يغادر امسك رأسي بقوة وبكلتا يديه، وقربه لمحاذاة وجهه، وكانت نار الغضب تتقافز من ثنايا تقاسيم وجهه، والحمية الجاهلية تستعر في عينية: ” لو فتحتي المحل هذا ثانية لا أنتِ بنتي ولا اعرفك دوري لك مهره” عمل “ثانية واعقلي “، وغادرا بعد ان انهيا كل شيء.. كل شيء دون استثناء “.

صمتت منار بعد ذلك ولم تنبس ببنت شفه، كان المشهد عنيفا، فكل شيء ذهب مع الريح، انتهى الحلم، وبقي الوجع والديون، وبقيت هي أسيرة المكان وأسيرة عادات وتقاليد بائدة، وواقع مقيد بأفكار ماضوية لا تستند على دين او مصلحة مجتمعية.

#إب #ibb