أروى أحمـد
كُلما يأتيني صوتها تَسألني عن المدينة كيف هي؟ فأجيبها بما تريد مني قوله، كأن أقول أنها باردة جداً أو افتقدت فيها السمر على ضوء القمر كما نفعل في القرية أو أن مبانيها العالية تشعرني بالضيق،
بالمقابل أنا أسألها عما تريد مني معرفته كأن أسألها عن شجرةِ التفاح أما تزال مخضّرة أو عن جارتنا المسنة، كم أصبح عدد دجاجاتها، أو عن بنات القرية وأحدثُ أخبارهن،َّ وبائعات القماش وجديدهن،َّ وعن المرأة التي اتخذت من نفسها فقيهةً للقرية بعد أن استمعت لخمس محاضرات دينية بثتها إحدى اذاعات الراديو الذي تحمله معها أينما ذهبت، وهكذا نظل، هي تحدثني عن القرية وأنا أحدثها عن المدينة.
في أحدثِ اتصالٍ بيننا أخبرتني أن زفافها بعد أيام، هنأتها بحب وأبديتُ حزني الشديد لعدم حضوري المؤكد، فضحكت وقالت ساخرة: لم تسأليني من العريس؟
ضحكتُ مبينة استغرابي فأنا أعرف منذ سنوات من يكون، قاطع ضحكي بكائها الشديد، كانت تتكلم وتبكي بمرارة، فلم أفهم شيئاً مما قالت، حاولت تهدئتها ففشلت كعادتي في مواقف كهذه فلجأتُ للصمت، بعد لحظات هدأت وأصبح صوتها أكثر وضوحاً وحدة، وأخذت تتكلم بحسرة عن جشع أبيها وأنانية أخوتها وعن زوجها المستقبلي السيء وعن خطيبها الأول ابن عمها الطيب الفقير العاجز عن سد تكاليف المهر، عن الدمع في عيون والدتها حسرةً عليها وعن نساء القرية وألسنتهنَّ الطويلة التي ازدادت هذه المرة حتى وصلت إلى خارج حدود القرية لتصبح قصتها حديث القرى المجاورة أيضاً ثم ضحكت ساخرة من حالها وقالت بتهكم: أفكر أرمي نفسي من على الحّارة…اريد ان أرتااااح ” ومدت صوتها عند الكلمة الأخيرة ثم بكت وانقطع الاتصال، ولم تجدي كل محاولاتي للاتصال مرة أخرى.
بعد يومين وصلتني رسالة سوداء تحمل خبر نعيها مع فتوى فقهية القرية التي أقسمت أنها الآن في النار تتعذب .
_________________
الحّارة = مرتفع حجري عالٍ جداً