إب7 press
أميمـة راجـح

(1)
حينما خرجت القابلة من غرفة الولادة تحملني بين يديها ،أعرض أبي عن رؤيتي ،وحملني صديقه لحما وعظما جرحا وعارا بين يديه ،قربني نحو وجهه المبتسم وهمس في أذني:
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله محمدا رسول الله
وكلما فعلته أنا صرخت في وجهه لعله يشعر بنهر الحب الذي فجره فيني صوته أو ربما لكي لايشك أبي بأني أحببته ،جذبني أبي بعنف من بين ذراعيه الحنونة وسمعته يقول لأمي بغضب: (مابعد هذي ياحليمة إلا طبينة ).
بعدها غمرني حنانا فياضا،وضمني صدرا رحيبا ،هدهدتني أمي وهي تتأوه ودموعها المالحة تغسل خدي الصغير والناعم والمحمر غيضا وقهرا وخجلا.
(2)
زارنا أبي اليوم ،وكم أكره الوقت القصير الذي يجلس فيه عندنا بعد غياب طويل ،أنا أصغر أخواتي أجملهن وأبغضهن لقلب أبي ،فها أنا الآن في الثامنة ولم أسمع أبي يناديني يوما ولم أره يبتسم في وجهي مرة ،وكل الذي يربطني به منذ ولادتي هو اسمي يأتي وراءه مباشرة اسمه ويكتب كما علمني ابن عمي كالتالي: محمدية قايد.
لكنه اليوم حين زارنا ناداني ،وعندما سمعت اسمي منه أصابني الهلع في الحقيقة لقد تبولت على نفسي ولم أجرؤ على الرد أو الحضور بين يديه ،غضب مني وقتها بل هو غاضب مني منذ فتحت عينايّ لاسمح له الزواج بالثانية ،وبينما كنت أذرف دموع الخزي والرهبة احترقت وجنتي بحرارة صفعت والدي ،قال لي في اللحظة نفسها :(هذي اللثمة لا أبصرش تخرجي بدونها فهمتي ).
(3)
منذ الصباح الباكر وأنا أدور فرحة بالفستان الذي جلبه أبي ،أمي مازالت تبكي منذ زمن لم أعرفه ،شقيقاتي عابسات ومشغولات جدا ،في الحقيقة أنا لا أهتم وكل ما أريده الآن الخروج لبيت عمي أتباهى بفستاني أمام ابنة عمي،لكن النسوة يملئن البيت ويمنعنني من الخروج ،وبينما كنت أخطط للهرب من نافذة المطبخ سمعت أبي يناديني فهرعت إليه مذعورة لئلا يكرر مافعله معي قبل شهر فلقد بقيت صفعته على وجهي تذكرني دوما بيتمي العاري ،وصلت عنده مطأطأة رأسي شعرت بأمي تغطيني بالشيلة، ثم بيده تلتف حول ذراعي الصغير ويشدني خلفه حتى أوصلني باب سيارة جميلة ومزينة فتحها ورفعني لأجلس على الكرسي بداخلها وقال لي :(من اليوم قدش مره تسمعي كلام زوجش ناهي )
هززت رأسي بصمت ،كنت أود أن اسأله ماهو الزوج؟
لكنني تراجعت حين لمحت أمامي دبا صغيرا معلقا بالسيارة ومددت كفي الصغيرة نحوه.
(4)
أربع وعشرون عاما عمري اليوم ،لم يكن زوجي إلا صديق والدي ذلك الذي أحببته أولا حتى قبل أمي ،كان يكبرني بعقدين ونصف لكن لايهم المهم أنه أحبني منذ ذلك اليوم مثلي تماما ،أما أنا فكنت ولازلت أراه أبي الذي أحل الله له أن يتزوجني ،لكنه لم يتزوجني هو في الحقيقة طهرني حيث لم أكن إلا خطيئة أثقلت كاهل والدي و رملت أمي وزوجها حاضر ويتمت شقيقاتي ووالدهن حي يرزق.