التحرش فضيحة تلصق دائماً بالمرأة
أحلام المخلافي | رأي
في هذا البلد، يبدو أن التحرش صار مثل الغبار.. يحيط بك في الشارع، في المواصلات، في السوق، وحتى على شاشة الهاتف!
والمضحك المبكي أن المرأة – وهي المجني عليها – تتحول بقدرة قادر إلى متهمة ..!
يتحرش بها رجل بكل ثقة، وكأنه يوزع بطولات وطنية، ثم يطالبها المجتمع بأن “تسكت”، حتى لا تجلب لنفسها العار.
العار! ..؟ العار عند من ..؟
عند الضحية التي خرجت تبحث عن رزقها أو دراستها أو حتى عن نَفَس حرية بسيط ..؟
المتحرش في أوطاننا شجاع ..
شجاع لدرجة أن يمد يده أو لسانه أو عينيه في العلن، وهو يعلم أن أكثر ما ستفعله الضحية هو أن تُسرع خطاها، تخفض رأسها، وربما تبتلع دمعتها ..
أما المرأة، فهي تخاف : تخاف من الفضيحة، من العائلة، من كلام الناس، من أن تُسجّل في دفتر المجتمع كـ “المذنبة التي أوقعت نفسها”
العجيب أن ثقافتنا لا تسأل: “لماذا تحرش؟”
بل تسأل: “ماذا كانت ترتدي ..؟”
وكأن قطعة قماش هي التي قررت سلوك الجريمة، لا إنسان مريض عديم الأخلاق ..
هل تعرفون ما هو أقسى من فعل التحرش نفسه ..؟
أن تُضطر المرأة لأن تُخفي الحادثة، أو أن تُساير المعتدي بنظرة صامتة، أو أن تتعامل مع الكابوس وكأنه “تفصيل عابر” في حياتها اليومية ..
كأن التحرش جزء من نشرة الطقس: “اليوم حرارة مرتفعة مع احتمال تحرش في فترة الظهيرة” ..
لقد صار الخوف سلاحًا يستخدمه المتحرش ضد ضحيته، والمجتمع بدوره يكمل اللعبة: يطالب المرأة بالصمت، ويعطي المتحرش وسامًا غير معلن اسمه “الرجل الذي يفعل ولا يُسأل” ..
السخرية المؤلمة أن كثيرين لا يرون التحرش جريمة إلا إذا وصل إلى حدود الاعتداء الجسدي الفاضح، أما النظرات المسمومة، الكلمات الملوثة، التلصص، والإيحاءات فهي عندهم مجرد “مغازلة”، أو – يا للعجب – “حق رجولي” ..!
لكن الحقيقة أن المرأة لا تحتاج قوانين جديدة بقدر ما تحتاج عقولًا جديدة.
تحتاج مجتمعًا يتذكر أن التحرش ليس دليلاً على رجولة، بل على نقص قاتل في الرجولة.
وتحتاج أن تُعامل كإنسانة تُحترم، لا كـ “مادة خام” لسهام المتحرشين ..
وللمتحرشين الذين يشعرون بالبطولة بعد كل “غزوة لفظية” في الشارع، أقول :
جربوا أن تكونوا أبطالًا بحق ..
جربوا أن تواجهوا فشل حياتكم، عجزكم، ونقصكم الداخلي، بدلًا من أن تفرغوه في أجساد النساء ..
أما للنساء، فلتعلموا :
الخوف لم يحمي أحداً يوماً
السكوت لم يصنع كرامة
والمجتمع، مهما صرخ ولطم، سيضطر أن يحترم صوتاً واحداً يرفض، أكثر من ألف صمت يختبئ.