الصلاة أيضاً تجارة …! اقتصاديات الروح

إب7برس Ibb7press
رأي | طاهر الزهيري

هل يمكن اعتبار الصلاة مجرد فريضة شعائرية…! أم أنها تمثل آلية معقدة للتنظيم النفسي والاجتماعي… بل وحتى نوعاً فريداً من التجارة…!؟


سؤال يستدعي تفكيراً عميقاً في طبيعة الدافع البشري، وقيمة المعنى الروحي في مواجهة صخب الحياة المادية..
وصلتُ إلى قلب السوق بعد مشوار طويل، قبيل أذان المغرب، فامتزج ضجيج الناس بأصداء صوت قادم من مئذنة قريبة..


كان صوتاً وقوراً لرجل مسن يتلو آيات من كتاب الله.. نبرة صوته لم تكن عادية… كان صوتاً مجرباً، وكأن الحياة نفسها قد مرت عبر حنجرته، فخرجت التلاوة صادقة، عميقة، مريحة للأذن ومطمئنة للقلب.
تلفت حولي أتأمل السوق، فلم أر أحداً قد توقف عن البيع أو الشراء…!
الباعة على حالهم، وكأن شيئاً لم يكن.. كأنهم لم يسمعوا هذا النداء، أو ربما سمعوه حتى اعتادوه، فصار يمر عليهم كما تمر العادة المألوفة.


تساءلت في داخلي : لماذا يستمر تدفق النشاط التجاري الدنيوي دون توقف يذكر، بينما يدعى الإنسان إلى “تجارة” أخرى، ذات طبيعة مختلفة وجوهر أعمق؟
أليست الصلاة نوعاً من التجارة أيضاً…!؟
بعيدًا عن الإطار الديني ، يمكن تحليل فعل الصلاة من منظور سيكولوجي عصبي.. تمثل أوقات الصلاة محطات قسرية للتوقف عن الأنشطة الروتينية، مما يوفر فرصة للدماغ والجهاز العصبي للانتقال إلى حالة من الاسترخاء الواعي..
الحركات المنتظمة، والتلاوات، والتركيز الذهني المطلوب، كلها عناصر تساهم في تهدئة النشاط العقلي المفرط وتقليل مستويات التوتر والقلق..
ربما يمكن اعتبار هذه اللحظات بمثابة جلسات إعادة تهيئة يومية، تعمل على استعادة التوازن الوظيفي للدماغ وتعزيز الشعور بالسلام الداخلي…!


إذا ما فكرنا أيضاً بلغة الاقتصاد… يمكننا النظر إلى الوقت والجهد المبذول في الصلاة كاستثمار.. لكن ما هي العائدات المتوقعة من هذا الاستثمار؟
ربما العائد ليس ماديا بل يشمل العافية النفسية تقليل توتر وتحسين مزاج ورضا، وتنظيم عاطفي، وتطوير ادارة انفعالات وضغوط، ووضوح ذهني، وتحسين تركيز وانتباه وتصفية ذهن وترابط اجتماعي، وتعزيز انتماء مجتمع عبر صلاة الجماعة، وايجاد معنى وهدف ارتباط بقوة عليا وقيم تمنح الحياة معنى..


ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات الحديثة في علم النفس والطب بدأت تظهر آثاراً إيجابية مماثلة للتأمل واليقظة الذهنية، وهي ممارسات تشترك مع بعض جوانب الصلاة في تعزيز الاسترخاء وتقليل التوتر وتحسين الصحة العقلية.. أي أن بعض العلماء والباحثين – رغم بعدهم عن الإسلام أو الإيمان بالصلاة كفريضة – قد أدركوا أثرها العلاجي والنفسي.
فما بالنا نحن؟
ألسنا أولى بفهمها وتذوقها، بل والربح منها؟


لنفكر ونتأمل بعمق في مفهوم الفريضة الثقيلة، إلى إدراك الفرصة الثمينة التي تمنحها لنا هذه اللحظات اليومية.
لنجرب أن نؤدي صلاتنا بوعي وحضور ذهني، مستشعرين الأبعاد النفسية والروحية الكامنة فيها.. عندها فقط، قد ندرك حجم الأرباح التي كنا نفوتها، ونبدأ في استثمار هذه التجارة الروحية بجدية أكبر لتحقيق التوازن والسكينة في حياتنا.