شرفة | طريق قصير للموت

 
نشوان النظاري | رأي

 

كريشة وحيدة تتقاذفها امزجة الريح العاتية، كطائر حزين حلق طويلا في فلوات السحب بعد أن فقد بوصلة الطريق وضيع العناوين والمحطات والعلامات السائبة، كقطرة ندى تاهت في تفاصيل المدى واقتباسات الاشراق، تهاوت روحي في أعماق النسيان؛ انهارت الذكرى كقارب شارد في قلب المحيط، وتناثر الوجع كبركان هائج في وجه السكون، وبقى الجسد خاويا ذاويا محشوا بالفراغ المدقع والوحشة الداكنة، وصدى الصمت الكئيب.

اليوميات الباهتة طريق قصير للموت البطيئ، التكرار الساذج للأحداث والمواقف إنتحار وجودي فظيع، تواصل حالة التشابه الزمني والتتابع الممل ينهش الذات كذئب جائع، تبعث حالة الركود الآسن والجمود الخانق الشعور بالاحباط والتيه العميق، العميق جدا حتى أقصى الوجدان.

تذبل الحياة حينما يعتريها الجمود، تتبلد المشاعر حين تجف العواطف، يتوقف القلب عن الخفقان الناعم وقتما يداهمه داء ضمور الإحساس، يشيخ الجسد وتفقد الروح بريقها وألقها عندما تحاصرها الرتابة وتفترسها جائحة الروتين البائس. ثمة حيوات مليئة خلف وعينا القاصر يمكنها استرجاع لحظات ما كان ينبغي لها أن تندثر وتذهب سدى.

يغرقنا هذا الملل والعزلة الذاتية إلى قاع التعاسة الوجودية، تجرفنا حالات الشعور بالسأم إلى بؤر الضيق والنهايات المقتضبة. يتحتم علينا محاكاة هذا الكون وموازاة تقلباته وتغيراته والسير قدما نحو الآفاق الرحبة، يستحق هذا العمر أن نمنحه الكثير من البهجة والسعادة والشغف المتواصل.

تحتاج الذات لانفعالات واعصارات وتفاعلات دائمة، حتى لا تفقد شغف الحياة، تحتاج إلى لمسة تغيير ومجازفات ومغامرات تعيد تشكيل مخيلتها واسترجاع هندسة الواقع وممارسة هوايات وأنشطة خارج نطاق المألوف، تحتاج لمحاولات مستمرة لكسر النمطية القاتلة، وتحطيم القضبان المصطنعة والخروج من دوامة العتمة، والثورة على البيروقراطية الرتيبة.

ينبغي الفكاك من كماشة العادة والخروج للضوء، مشاهدة الكوميديا والاستماع للموسيقى، التنزه، التدخين بشره، تبادل النكات، كتابة رسائل حب ملتهبة لحبيبة افتراضية. كل ما نحتاجه قوة حقيقة للعبث بالسكون الرابض في أعماقنا وإنعاش الروح حتى لا تصدأ وتتاكل بفعل الاستمراء بالثبات السلبي والسير حثيثا داخل دائرة مغلقة. ودائما دوام الحال من المحال.