من تونس الخضراء إلى نبض الوطن الكبير محافظة إب،،

سلسلة مقالات حول زيارة « إب7برس » للجمهورية التونسية ” 3 – 5 “

المرافئ المحطمة والإطلالة الزرقاء

إب7برس Ibb7press

نشوان النظاري | رأي

وصلت والرفاق مطار القاهرة الدولي مساءً، الصورة كانت صادمة وموجعة، جو بارد وقارس واخلاق سيئة ومهينة، وتعامل سيئ للغاية، أدركنا وقتذاك أن هناك عرب تتجسد فيهم كل معاني القبح والاسفاف والسفالة والابتذال الرخيص.

في مطار القاهرة ينبغي أن تدفع مقابل الاحترام، فيما عدا ذلك فأنت مجرد حثالة بلا قيمة، وفي حال دفعت فستحظى بتعامل يليق بقدر ما دفعته، وهكذا تقوم الطواقم الأمنية والادارية والفنية بالترويج للسياحة وتنشيط هذا المورد الاقتصادي الهام، ودفع عجلة التنمية في أم الدنيا للخلف وخلق حالة من الضغينة داخل البيت العربي الواحد.

يختلف الوضع كليا في مطار الملكة علياء بالأردن، فالشعب الاردني، والأجهزة الأمنية تولي احتراما وتقديرا رسميا وجافا وبلا تكلف لزوار البلد، لكنه احترام لائق وملائم نسبيا، لا سيما إذا عرفنا عن كثب أن الشعب، أو لنقل أغلبه مكتئب ولا تدري لما، حتى مضيفات الملكية الأردنية اللاتي يتمتعن بجمال وافر، وأناقة جذابة، وملابس حمراء أنيقة تطاردهن لعنة الاكتئاب مهما حاولن اظهار غير ذلك إذ سرعان ما يعود كل شيئ لأصله في غضون لحظات، باستثناء مضيفات الدرجة الأولى 

يبقى الأمر في إطار خصوصية البلدان، أو أن خيالنا الواسع يجعلنا نعتقد أشياء ليست واقعية، ليبقى كل ذلك في المحصلة خارج اهتمامنا وبعيدا عن دوائر التصيف العلمي الدقيق.

يوما واحدا في جمهورية مصر، وساعات في مطار الملكة علياء في الاردن، تجعلك تصل لقناعة أن الشعوب العربية فقدت بريقها وشيئ من أخلاقها، أو أن اليمني لم يعد ذلك المواطن العربي الذي يحظى باحترام الأشقاء العرب.

من فوق الغيم تتراءى في الأسفل مساحات خضراء شاسعة، وأرض متناسقة وفي إمتداد النظر ثمة أسطورة حسناء تقف منذ فجر التاريخ وحتى آخر المدى، تقف قرطاج الحضارة والحضور، تونس البهية سيدة أمازيغية تدب الفتوة في أدق تفاصيل جسدها المفعم بالطرب والشجن والفتنة. 

تحلق الطائرة فوق سماء العاصمة تونس على ارتفاع منخفض فتشعر بأريج الحياة وعبق التاريخ وكلمات الشاعر التونسي ابوالقاسم الشابي ترفرف من على قمم المجد، إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر، وقد استجاب وفعلها، وكانت الثورات والتحولات والانبعاثات الاحيائية.

في مطار قرطاج في العاصمة تونس، يستقبلك موظف المطار بترحاب لم تعهده في باقي مطارات العالم، وقبل أن نتنفس هواء تونس كانت تونس حاضرة بكافة رونقها وبريقها ودفئ مشاعرها في محيى القديرة والعزيزة هدى عياري ، شمس تونس وقمرها المنير، سيدة عظيمة، صارمة، فائقة الجمال، قوامها شبيه بتلك النخلات المحملة على الدوام بثمار التمر اللذيذ في حدائق تونس الغناء، رافقتنا طوال إقامتنا في العاصمة تونس، وكانت بالنسبة لنا الإنسانة والقدوة والنموذج المحترم للمرأة العربية العاملة ومنحتنا درسا عظيما في تقدير الذات والثقة بالنفس.

تجترح اللحظة إطلالة المدائن، وتسري في الروح شعور عارم بسعادة وحفاوة وطيب الإقامة، ففي هذا البلد كل شيئ له ايقاع خاص، الأديان والثقافات والأجناس والاعراق واللغات واللهجات والفنون.

ثمة إطلالة زرقاء تزين أغلب منازل وشرفات الأبنية البيضاء في تونس، وثمة عراقة يختزلها تعامل التونسي حيال الزوار وضيوف المكان، ولذا فلا غرو أن نجد هذا التناغم بين المكان والإنسان والفرادة في كل ما تفشي وتجود به جغرافية قرطاجة الأثيرة.

في شارع الحبيب بورقيبة الذي يشق العاصمة تونس، يقف تمثال العلّامة، عبد الرحمن ابن خلدون شاهدا على أن هذه الدولة رفدت الوطن العربي بالعديد من المفكرين والمجتهدين الذين أسسوا لاجتهادات وافكار خارجة عن السائد والمألوف، وتركوا بصمة في مختلف الميادين العلمية والإنسانية.

غدا نلتقي

تونس العاصمة  – مساء الـ 17/ 3 /2022م

https://ibb7.org/2022/03/27/من-تونس-الخضراء-إلى-نبض-الوطن-الكبير-م-3/