إب7 press
أسرار الدحان

بلقيس فتاة في الخامسة عشر من عمرها، تمتلك لباقة وعقل نبيه وذكاء فطري فريد، سريعة البديهة دائمة الابتسامة اجتماعية التكوين، أينما تكون تلفت الانتباه لخفة دمها وبشاشة طباعها، كنت أراها فابتسم واتمنى لها دائما مستقبلاً مشرقاً كابتسامتها الدائمة وملامحها التي مازالت تحتفظ بطابع الطفولي الاسر.
حدثتها ذات مرة: ستكونين عروساً جميلة في المستقبل وأماً رائعة وزوجة حنونة وستضيئين كالشمس حياة من ستكونين معه.
لكن ردة فعلها أدهشتني…!
فالدموع تسابقت في عينيها وملامح وجهها تغير تماماً، انا حقاً لم أرد سوى أن الاطفها وأضاحكها.. عبست في وجهي قائلة: لماذا تريدون أن تفتحوا جرحي بينما أحاول زمه.. إنه غائر جداً ثم إنه مؤلم جداً.
أي جرح تقصدين. أجبتها مستغربة وحائرة، قالت بوجه متكدر، لا أصدق بأنك لا تعلمين أنني مررت بتجربة فاشلة ولا أود الحديث عنها أو التكلم بأي شيء يخصها، وفيما ان في ذهول صرخت في وجهي وبكلمات ممزوجة بالبكاء قالت:” أنا مطلقة”
كلمتها الاخيرة كادت ان تمزق قلبي…
جسم نحيل وقامة قصيرة وعيون حائرة وتصرفات أغلبها ما تزال طفولية طائشة!
سألتها كيف ذلك…!؟
قالت كنت في الرابعة عشرة من عمري تقدم لي طالب في كلية الطب من عائلة مشرفة كما قال أبي أغراني ذلك جداً وعندما سألني أبي وافقت بطيش لا حدود له على الزواج ثم زفوني بعد أن حققت أحلامي بارتداء ثوب الزفاف وامتلاك الذهب والملابس وكل ما تمنيته.
جروني لذلك البيت المشؤوم، وعندما انتهت مراسم العرس وجدت نفسي اتحمل مسئوليات لا أطيقها وزوج له في كل يوم قصة ورواية مع جميلات الفيس، واستمرت معاناتي شهرين وكل يوم ابكي فيه حتى تبتل مخدتي وعندها قررت المغادرة.
جمعت اشيائي المهمة وادعيت بأنني مريضة وسأذهب لزيارة والدي ووالدتي واسرتي ليومين فقط، وعندما وصلت استقبلني الجميع بحرارة وحب وشوق، لكن عندما سمعوا موقفي وبأنني لم اعد أريد زوجي تغير موقفهم وتجمدت ملامحهم ثم ثارت!
كنت أتمنى أن تضمني أمي بحنان وأن يشعرني والدي بأنه ركني الشديد الذي آوي إليه من تغيرات الزمان، لكن موقفهم مزقني جداً، وما لبث أبي حتى قال ووجهه متكدر وغاضب ” لا يكلم زوجك فتيات أخريات وأنتِ امرأة ذكية تعرفين كيف تتصرفين معه
امي حاولت الدفاع عني ولكن ما إن غادر أبي المكان حتى بدأت هي الأخرى بتخويفي وبأنه من العيب أن أترك منزل زوجي ولم أكمل شهري الثالث حد قولها، وكيف ستقابل الناس وماذا ستقول لهم، حاولت إقناعي بأن أضل معهم لأيام حتى ترتاح نفسيتي ثم اعود…!
اعود الى أين أعود وأنا لم أشعر بالأمان قط… إلى قعر جهنم الذي أحترق فيه لوحدي ولا أحد يشعر بما اعانيه، لن أعود فأنا لا أطيق البقاء ثم أنني لا أريد أن استمر حتى اتفاجأ بأنني حامل واتحمل مسئولية أطفال لرجل لا يعرف للحياة الزوجية معنى ولا يلقي لها بالاً…
وصار الوضع في بيتي الذي هربت إليه من مخاوفي ومن أحزاني لا يطاق تغيرت معاملة الجميع تجاهي، الكل يرميني بكلام لا يحتمله صخرٌ اصم فكيف بقلبي فلا أتحرك حتى يعايرونني، ولا أكاد أخطئ حتى يقولون: معه حق زوجك ان تركك.. وما كنت اغادر البيت طلباً لرحمة والهدوء الداخلي، حتى تنهال علي الأسئلة، وتلاحقني النظرات، ولا تتوقف باتجاهي الإشارات!
هل الطلاق ذنب أم جريمة…؟!
الشرح يطول والعمر يقصر وزهرة الشباب بأعماقي تذبل، لم أخسر شيء بسبب تجربة الزواج الفاشلة، فانا أقوى من أن يكلمني شخص أو أن يحطمني ذكر…
لكن الذي أذاقني المر هم أسرتي أقاربي، مجتمعي، الذي توقعت أن يكونوا هم من يشدوا من أزري لأتجاوز محنتي وأقف من جديد غير آبهة بما حصل لي، لكنني الآن أقف لست عاجزة عن إسناد نفسي…أنا لنفسي القوة والسند والقلب الحنون.
عدت إلى مدرستي بفرح، وتبعت زميلاتي ولم أخسر حتى سنة واحدة فتجربتي تلك اعتبرتها “رحلة صيفية مرعبة “. أنا حقاً لا أريد أن أتذكر ولا أريد أن يذكرونني كلما حانت لهم الفرصة، جرحي أستطيع مداواته، أنوثتي أستطيع أن أرفعها واترفع بها حتى لا تنال منها أيدٍ عابثة مرة أخرى.
أنا أقوى من أن تكسرني تجربة أو تدمرني علاقة فاشلة، فقط ليتركوني وشأني، حتى أضمد جرحي وأشفى منه تماما… أنا لا اظهر حزني والجميع يراني ” بلقيس ” الطموحة الذكية المثابرة صاحبة الأحلام الزاهية البنت التي تدرس صباحاً ثم تعمل مساءً لتحقق ذاتها وحتى لا تشعر أنها عبء على أحد.
تبتسم ابتسامة باهتة تتبعها نظرة مكسورة ثم تغادرني للحظة فقط، لكنها رافقت بالي طويلاً… لماذا هذا التعامل الفض مع هكذا زهرة في مقتبل العمر؟؟!
ولماذا هذا المجتمع أصبح مجتمعاً ذكورياً بحتاً؟!
ثم يأتي شخص ليقول أصبحت الحقوق كلها للمرأة، نحن لا نريد إلا أن نكون جزءاً من المجتمع، يتعامل معنا كجزء كامل نستطيع أن نعيش ونتعايش دون أحد… نحن نضيئ ونتميز بأعمالنا فقط، نحن نتفرد بذواتنا، لم نكن يوما نصفا، فنحن الكل فالله خاطبنا بكتابه بالمؤمن والمؤمنة، نحن ان لم نكن كل المجتمع فنحن أكثر بكثير من نصفه، بلقيس أسمك كشخصيتك واصلي طموحك وستصلين واصنعي من عثراتك فرصاً للنجاح… فأنت حقاً بلقيس هذا الزمان.