قلم أفلاطوني (أفلا ينطفئ)
إب7 press
سماح عملاق
“لاشيء يثير استغرابي غير الغرابةِ نفسها؛ فكل شيءٍ أصبح ممكنًا في هذا الزمان”.
قالها أفلاطون بعدما عاش في محافظة إب باليمن قرابة عامٍ من الألم، لقد أتى إلينا راسمًا في مخيلته مدينته الفاضلة بعد أن جاب الكوكب باحثًا عنها.
دلّه بعض الرحالة على مدينة تتوسط أرض السعيدة حيث بإمكانه رؤية الخضرة والماء والوجه الحسن.
تفاجأ أفلا بأن السعيدة أتعس ماخلق الله على أرض هذا الكوكب، وأن الخضراء أصابها “الصفارى” عقب الفجائع المتكررة بفعل العنف المتولد عن أحداث الصراع.
لقد فقد أفلاطون جزءًا كبيرًا من قدرتهِ على الدهشة التي يقوم على أركانها علم الفلسفة.
وجدتهُ منطفئًا – على غير العادة – لم يسألني عن أي شيءٍ بدا مدعاةً للفضول مما أثار استغرابي ودهشتي في آن، سألته:
– ألم تتعجب من موقفٍ أو فكرةٍ أو قضيةٍ جديدة لتسألني ونفتح بابًا للنقاش ياصديقي؟.
أجابني بينما يغرق في الشرود:
– مم أتعجب أو أتستغرب ياسماح، بلادٌ كل مافيها عجب، والغرابة أنكم لاتتعجبون من شيء تعيشونه، متأقلمون، مستسلمون، خانعون دون إعمال للعقل في شيء، ليتني أعلم بمن رماني إلى هنا!.
– لماذا تسأل، أضقت لهذه الدرجة في مدينتنا؟
– لاتفي كلمة الضيق بما أشعر، أنا أبحث عن مدينتي الفاضلة، حيث يسود الحق والعدل والمساواة والسلام والجمال..
– وإب الخضراء، فردوس اليمن، اللواء الأخضر.. أليست بنصف فاضلة على الأقل من وجهة نظرك؟!.
رمق لي بنصف عين بضحكةٍ صفراء:
– بالله أين الفضيلة، صحيح أنكم مسالمون لكنكم في نفس الوقت سلبيون، طيبون لكن سذّج، متميزون لكن أغبياء، تخشون على أنفسكم من العين أكثر مما تحذرون الصواريخ، لاأعمم لكن هذا الذي لاحظت سيادته.
– مالذي أثار فيك هذه الوجهة، أيمكنني أن أعرف من فضلك؟..
– على سبيل المثال لا الحصر، لماذا تتعرض المرأة عندكم لتعنيف زوجها، وامتهان كرامتها وإنسانيتها من قبله، ولا تنتفض وتأخذ بحقها، وإذا غضبت تعود باسم حبها لأطفالها وخوفها عليهم؟!.
– إنه كيان الأسرة ياأفلا، لايمكننا هدم بيوتنا بسبب نوبة غضب أو موقف سيء قد يتلاشى وقد يعود..لايمكننا تشريد أطفالنا بسبب سوء أخلاق آبائهم، هذا مانسميه بالنصيب ياصديقي.
– كلام فارغ، لايوجد شيء اسمه النصيب، هذه كلمة اخترعها الضعفاء ليبررون ضعف شخصياتهم، أو خيانتهم، أو كذبهم أو غباءهم.. يوجد شيء اسمه القرار، وحتى القدر يقف في صف الصادقين الواثقين..
أما هذا الحنان الساذج سيتخذه الرجال شماعة ليسقطوا جلّ غضبهم في عصا أو كأس أو رأس أو ساق امرأة.
– أتفق معك، ” من لم يكرم نفسه كرهًا يُهان”.
– لاحظي أنني قلت “على سبيل المثال”..
– ماذا بعد؟!..
– الخائن رجل يدبر حاله، والكاذب ذكي، والصادق غبي، وقاطع الطريق قوي، والمثقف حالم وهلم جرا..
هنالك استبدال وإبدال في المفاهيم، ومع ذلك لاأستغرب.
– أووه مؤسف، أرجوك ياأفلا، لاتفقد قدرتك على الدهشة، لاتنس أنك فيلسوف عريق ومن مؤسسي علم الفلسفة، استمر في رفع حاجبيك..
– لاتخافي عزيزتي؛ فعلم الفلسفة قد وطد أركانه جيدًا وهنالك من جاء بعدي ليضيف، وماهو بالسهل أن ينقرض حتى وإن فقدتُ ذكرتي.. علم الفلسفة في أمان.
أجبته بسرعة مباشرةً:
– ماذا عن عمودي الأسبوعي في إب press7؟!.
انفجر غضبًا في وجهي قائلًا :
– عليكِ غضبي، تخشين توقف عمودك الأسبوعي ولم تفكري في انقراض علم الفلسفة؟..
رددتُ عليه بلطف وخجل يوحي باسترضائي له:
-ليس الأمر هكذا، فكما أسلفتَ أن علم الفلسفة في أمان، لكن عمودي يقوم على اسمك وليس على اسم العلم الذي اتخذتَهُ منهجًا في حياتك..
– عمومًا، لاأستغرب حتى أسلوب تفكيركِ البرجماتي،النفعي ..
لاشيء يثير استغرابي غير الغرابة نفسها، فكل شيءٍ أصبح ممكنًا في هذا الزمان.