لاحظتُ حسابًا يتابع منشوراتي باستمرار، لكني لم أقبل صداقته بسبب اسمه المستعار “فيلسوف مدبر”، قفز نحو نافذة الخاص.
حياني بطرق بدائية، تجاهلته تمامًا، أرسل لي صور أفلاطون التي تعجبني دومًا؛ ابتسمتُ في سرّي لكني لم أجبه.
سألني في الماسنجر بعد يومين: ماذا لو كنتُ أفلاطون، أتقبلين بي مقابل ناقلة من الكتب؟
حينها وضعتُ أناملي لتتراقص على حروف الكيبورد
– من أنت؟ لا أحد يشبه صديقي أفلاطون.
دقائق قليلة ثم اتصل بالشبكة، كنتُ متعبة بعد يوم طويل من العمل، فجأةً مطّ أفلا رقبته ليخرج وجهه من شاشة الهاتف قائلًا: “أنا فدالك يا سموحة، لا أحد يشبهك أنتِ”..
من شدة الذعر رميتُ الهاتف حتى انقسمَت الشاشة نصفين، إذا به ينقسم معها ويستغيث ممسكًا بقصبته الهوائية..
– أعيديني أرجووكِ، اجمعي أشلائي، سأعود للحياة إن لم تنقذيني بسرعة.
جمعتُه بيديّ ثم شربتُ كأسًا من الماء لأستوعب جنونه، قلت له:”ما بكَ يا أبله، حتى وسائل التواصل لم تتركها؟!
– من الطبيعي أن أجربها ككل ما سبق، وقد راقت لي منشوراتك وأعجبني طرحك المتميز، لكنك مغرورة أو مشغولة، لا أدري، لم تؤكدي طلب صداقتي لك منذ شهرين!!.
– لا أقبل الأسماء المستعارة ولا أحترم مستخدميها إلا في حالات نادرة ووجيهة وأنت تدري يامدبر.
سكت برهة ثم قال:
– أريد أن أكون كاتب مثلك يا سماح.
– اكتب، مالذي يمنعك؟
– لم تكتمل لديّ أية فكرة بينكم؛ فمنذ أسبوع وأنا أحاول.
– الفيلسوف الذي كتب مدينة بأكملها لا يستطيع صياغة فكرة بيننا؟.. ياللعجب!.
– نعم لم أستطع؛ لماذا لا يترك شعبكم المواطن يسبح في خياله، لماذا لا يملك الكاتب حق السرحان في ملكوت أفكاره؛ فكلما أوشكتُ على إمساك خيوط الفكرة، يصرخ إنسان عابر “موبك مطنن، خليها على الله”!.
– هههههه وأنت ماردك؟
– رددتُ عليه :شجعلك خلا يخليك من الوجود، مو عليك مني!!.
– ههههه بدأت بإتقان اللهجة ياأفلا، إنها لذيذة للغاية على لسانك .
– من الغلب أتقنتُها يا سماح؛ إذا ارتسمَت على ملامحي بعض مشاعر البؤس أجد التربيت على كتفي والأسئلة، حينها تتبخر فكرة جهنمية للكتابة من رأسي. وإذا وجدوني بملامح سعيدة لابد أن أقصّ عليهم كلما يدور في رأسي!.
أنا أستغرب، كيف تكتبين في هذه الأجواء الفضولية؟!
– آه، لقد طرقتَ وترًا حساسًا ياأفلا، الخلوة بالنسبة للكاتب جزء من شخصيته، لكن معاشرة الناس هي الجزء الأكبر بالنسبة لي، وقد تعودتُ على الفضول؛ وإن لم أتأقلم عليه لم أكن لأكتب حرفا واحدًا، وقد واجهتُ مواقفًا سيئة من أناس غير واعيين وغير متفهمين لطبيعة وأسلوب حياة الكاتب، فالكتابة في هذا البلد جزءٌ من النضال.
– أتفق معك، إنه نضال، وتوتر، وحرب نفسية مع المجتمع؛ ليتفهموك ولا يقطعون حبل أفكارك. فليلزم كلٌ شأنه.
– لعلمك ياأفلا.. أسلوبهم ليس بنية الإزعاج، إنه عن طيبة ومحبة لكن عن قلة وعي.. وأتمنى أيضًا أن تختفي “الشاصات” من حياتنا.
حكَّ رأسهُ والتفتَ يمنةً ويسرةً بسرعة فائقة سائلًا: