طاهر الزهيري..
صوت المسرح اليمني الذي لم يخفت

أحلام مهيوب| رأي

هناك فنان لا يمكن أن تصفه بأنه ولد في مدينة ما، أو على يد قابلة، أو في مستشفى ريفي أو حضري…
بل تشعر حين تراه أنه ولد مباشرة فوق الخشبة، وصرخته الأولى لم تكن بكاء بل مونولوج…

ذلك هو طاهر الزهيري…
الفنان المسرحي الذي لا يحتاج إلى ديباجة طويلة لتقديمه، لأن كل من شهد عرض له، أو سمع صوته يتردد على خشبة أو منصة ما، يدرك أنه لا يشبه أحد…

لكن الزهيري لم يولد في بلد يحتفي بالمسرح كما ينبغي…
ففي اليمن، لا توجد خشبات مسرح بنيت من أجل المسرح والفن، بل مجرد قاعات ومراكز تستعمل لكل شيء.. إلا للمسرح كفن مستقل، له حرمته وهيبته.

رغم ذلك، ولد حب المسرح في قلب طاهر مبكراً…
كتب.. مثل.. أخرج.. وعاش كل تفاصيل المسرح منذ أن كان طفلاً يتهجى جمل الحياة في حلقات المساجد والمراكز الصيفية إلى المدارس والمهرجانات…

لم يدرس المسرح أكاديمياً، لكنه درسه بعيني العاشق، وبأذني المتفرج المتأمل، وبقلب وشغف لا يهدأ…

أسس فرقة طج الفنية مع جلال الدعري، وما زال طالباً في الثانوية، وراح يصنع، عاماً بعد عام، مئات الاسكتشات والعروض في كل زاوية تتسع لحكاية وصوت ووقفة…

في بلد لم يكن المسرح فيه باب رزق، بل باب وجع، كان الزهيري يصر على أن يدخل إليه كل يوم، ولو اضطر أن يدفع من جيبه، وأن يعمل بلا مردود، سوى الإحساس بأنه يؤدي رسالة لا يتقنها سواه…

لم يتوقف.. لم يستسلم..
تحول من ممثل إلى معلم، ومن شاب يبحث عن فرصة، إلى قامة تفتح الفرص لغيره…
درب العشرات، وعرض في العديد من المحافظات اليمنية، وكسر جدار المحلية ليصل صوته إلى الخارج العربي، مشاركاً في مهرجانات، ومجرباً كل ما يثير دهشة المسرح، من المونودراما إلى المسرح الثنائي.

بل كان أول من أطلق مهرجان المونودراما والمسرح الثنائي في اليمن، في لحظة كانت الحرب قد التهمت كل حلم، وهاجر فيها كثير من المسرحيين، وتوقف المسرح في عيون كثر.

لكنه، وكعادته، بقي صامداً ككشاف صغير في نهاية نفق طويل…
فكلما ساد الصمت المسرحي، نسمع اسمه يعلن عن عمل جديد، يجهز له هنا، أو يعرض هناك…

حتى صدر القرار بتعيينه مديراً للمسرح الوطني في محافظة إب..
فحول المركز الثقافي هناك إلى بيت مفتوح لكل ممثل، ولكل حلم، ولكل صرخة موهبة تبحث عن منصة…

بحثت طويلاً عن السر خلف هذا الجنون الجميل…
لماذا يستمر فنان مثل الزهيري رغم الفقر، رغم الحرب، رغم غياب العائد؟
كيف يظل ينفق من جيبه، ويصرف من عمره، ويعطي من نبضه… فقط لأجل المسرح؟

الجواب الوحيد الذي وجدته:
لأنه يحب…
يحب المسرح كما يحب الطائر السماء…

وها أنا أكتب عنه، لا لأن الإعلام أنصفه، بل لأنه مغيب عنه.
أكتب عنه لأنه صوت نقي في زمن التشويش، وفنان يؤمن أن المسرح ليس مجرد خشبة… بل حياة.

يا طاهر…
أنت لست رقماً في سجلات المسرح اليمني، بل رقم صعب، لا يعادله أحد.
ستكتب سيرتك على الستائر، قبل الدفاتر.. على الخشبات، قبل الشاشات.
وستظل، ما دام فيك نبض، ضوءاً لا ينطفئ…
على خشبة الحياة.