حين يصبح الفراش رفيقاً.. 

طاهر الزهيري | رأي

حين يدخل المرض على الجسد، لا يطرق الباب ولا يستأذن.. فقط يأتي ويجلس بثقل.. يسلبك طاقتك، ويجعل الحركة مهمة صعبة، والأنفاس ثقيلة..

لا يسأل المرض عن عملك ومشاغلك، ولا يهتم لما فاتك من مواعيد وأشياء أخرى.. كل ما يفعله أنه يدفعك إلى الفراش، يجعل الوسادة وطناً، والبطانية عالماً، والغرفة كوناً صغيراً تحبس فيه بين أربعة جدران.

وفي أحسن حالات المرض أنه لا يأخذك إلى المستشفى، ويتركك في البيت، صديقاً للفراش، ساكناً بين وسائد الهدوء والتأمل.

قد يبدو هذا قاسياً في البداية… عندما تصبح عاجزاً ضعيفاً، لكن مع الوقت، تكتشف وجهاً آخر له. وجهاً لا يراه إلا من توقف عن الركض، وتحرحر من وهم السيطرة على كل شيء.

المرض، رغم ألمه، قد يكون نعمة عظيمة.. عندما يعيد ترتيب الأشياء داخلك.. يضعك في مواجهة صامتة مع نفسك.. يجعلك تعيد النظر في أحبابك، في من كان بجانبك ومن غاب، في ما اعتدت أن تؤجله لأنك كنت مشغولًا بالحياة.

المرض له وجهان… فلا تراه من زاوية الألم فقط.. هنالك نظرة أخرى، لا ترى إلا بعين لم تكن تستعملها وأنت بكامل عافيتك..

تلك العين التي لا تنفتح إلا حين تغمض عين القوة، وحين تكسر ضوضاء الحياة من حولك.

في لحظات المرض.. يصبح الوقت أكثر بطئاً… لكنه بطء رحيم، يحمل في طياته حكمة خفية..

توقف.. انظر.. تنفس.. راجع نفسك.. وابدأ من جديد… لا كالسابق، بل كمن عرف قيمة الصحة بعد ألم، وقيمة الصمت بعد صخب.

الوعي بالحياة لا يبدأ دائماً من الحركة والعمل والصحة… بل أحياناً من السكون والمرض والتأمل.