كرامة المتعفف وصمت الحاجة
طاهر الزهيري | رأي
 
في زمن تتقلب فيه الأحوال وتضيق فيه الأرزاق، يصبح من المؤلم أن ترى أشخاصاً كانوا يوماً نموذج للعطاء والسخاء، يتحولون فجأة إلى من يحتاجون يد العون، لكن كبرياءهم وعزة أنفسهم تمنعهم من البوح أو الطلب.. كم هو مخيف أن تجبر على الذل وأنت الشريف العفيف، الذي لم يسأل يوماً ولم يمد يده لأحد.
 
كم من أناس كانوا سنداً لغيرهم، يمسكون بأيدي المحتاجين ويساعدونهم على مواجهة صعوبات الحياة، فإذا بالدنيا تدور وتضعهم في موقف الحاجة.. ومع ذلك، يظل المتعففون يكتمون آلامهم، يبتسمون رغم الجوع، ويرددون ” الحمد لله مستورة ” وهم في أشد الحاجة.. لا يملكون إلا أن يرفعوا أكفهم للسماء، يرجون الله وحده أن يفرج كربهم.
 
قسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية دفعت بالكثيرين إلى خيارات صعبة، منهم من انهار واستسلم، ومنهم من هاجر أو عمل في أي مهنة مهما كانت متواضعة أو غير مرضية ومجزية أجرها..
 
نعلم أن بعد العسر يسران، وهذا وعد إلهي، لكن العسر أحياناً يطول، والإنسان بطبيعته عجول وخجول وقد يهزم ويستسلم.
 
ونعرف أن بعد الصبر فرج، لكن ليس كل الناس يستطيعون الصبر، فالصبر حكمة، وقليلون من يملكونها.
 
ونؤمن أن بعد الضيق الفرج، لكن أحياناً يضيق الحال حتى يخنق الإنسان قبل أن يأتي الفرج، والناس قد تتفرج وتتفاجأ، وربما تندم لأنها لم تساعد…!
 
لهذا.. علينا أن نسأل عن أحبابنا وأقاربنا، فكم من قريب أو صديق يعاني في صمت ولا نعلم عنه شيئاً.. الأوضاع تتغير، ولا أحد في مأمن من تقلبات الحياة، فلا نقول “فلان غني” أو “فلانة مرتاحة”، فربما تغير حالهم في ظل الظروف الصعبة والحروب التي تعصف بنا جميعاً.
 
اليوم.. المتسولون يملؤون الشوارع، لكن المتعففين أكثر، وهم أولى بالمساعدة.. ذلك المبلغ البسيط الذي تعطيه لمتسول في الشارع قد يكون عظيم الأثر عند متعفف لم يسأل يوماً ولم يمد يده إطلاقاً.
 
نحن في أمس الحاجة إلى أن نتراحم ونتعاون، أن نسأل عن بعضنا البعض ونمد يد العون لمن حولنا، فالتكافل يخفف الوجع ويقلل من الحزن والمشاكل والمصائب وأشياء كثيرة.. لنجعل من سؤالنا عن أحوال من نحب عادة، ولنعلم أن دوام الحال من المحال، وكان الله بعون الجميع.