الممثل اليمني يؤدي أعظم أدواره خارج الشاشة
طاهر الزهيري | رأي
في اليمن، أن تكون فناناً لا تملك مشروعاً آخر، يعني أن تعيش بين هوامش الانتظار، والتعلق على حافة اليأس.
الفنان اليمني الذي يهب عمره للفن، دون أن يستند إلى مصدر رزق آخر، يصبح أشبه بالمتسول الأنيق، يحمل موهبته كمن يحمل عاهته، ويمضي بها في الطرقات، ينتظر موسماً كرمضان، أو إعلانات.. أو فرصة تمثيل في أي احتفال أو مهرجان أو فعالية، وكأن الإبداع لا يستحق أن يكون مهنة، بل صدفة.
فالفن وحده في هذا الوطن لا يطعم خبزاً.. ولا يضمن حياة، بل يكاد يتحول إلى عبء ثقيل على صاحبه، كلما ازداد عشقاً له، ازداد ألماً منه.
ومع الوقت يتحول الفنان إلى شظايا حلم قديم.. تتقاذفها منصات التواصل، ما بين مقاطع عابثة على تيك توك، أو محاولات مستميتة لكسب القليل من مشاهدات يوتيوب.. أو حتى تمثيل واقعي في الحياة، يلبس فيه قناع السعادة وهو يئن من الداخل.. يضحك وهو يبكي.. يمثل ليعيش.. لا ليعرض.
نحن في زمن صار فيه الممثل اليمني يؤدي أعظم أدواره خارج الشاشة.. يمثل في طوابير الانتظار.. في الازدحام.. في المجاملات الاجتماعية.. في البحث عن لقمة العيش.. يمثل أنه بخير.. وأن الفن ما زال يستحق التضحية، رغم أنه يخذله كل يوم.
الفن في اليمن ليس مجرد موهبة.. بل مغامرة وجود.
أن تكون فناناً حقيقياً يعني أن تدخل حرباً ناعمة ضد الجوع، والإقصاء، واللا مبالاة المجتمعية أو التقدير.
الفنان الذي لا يملك مصدر دخل ثابت يتحول إلى هش.. مكسور من الداخل.. وقد يتحول في لحظة إلى مادة للسخرية، أو إلى عابر سبيل يطويه النسيان.
من يضمن حياة الفنان؟
حين لا توجد مؤسسات تدعمه، ولا دولة تحترم فنه، ولا جمهور يمنحه العيش الكريم، يصبح الفنان مشروع ضحية مؤجلة.
في دول العالم يكرم الفنان وهو حي.. أما هنا فربما لن يلتفت له أحد حتى يموت.
الفن ليس ترفاً.. وليس عبثاً.. بل روح الأمة.
وحين يهمل الفنان.. تذبل الأرواح.. وتضيع الهوية.. وتخبو الشعلة التي تنير دروب الوعي والجمال.
هل ننتظر من الفنان أن يبيع أدواته ومايملك…!؟
أن يتحول إلى عامل بسيط عشوائي؟
أن يصبح متسولاً..!؟
أن يغادر البلاد بحثاً عن مكان ينصفه؟
أم نعيد ترتيب الأولويات.. ونضع الفن في مكانه الطبيعي والهام.. في قلب الحياة.. لا في هامشها..!؟