كنت أنزوي في كل لحظة في دهاليز مخاوفي وأعماقي الخاوية، أنا أعيش الآن في مكان لا أنتمي إليه، أتلمس روحي فلا أجدها، مكان يمتلئ بالاستفهامات الغامضة، موحش جداً، لقد بكيت طويلاً، كنت أبحث بين الجدران عن ظل أمي، عن بقايا حنانها، عن أصوات إخوتي وصراخ شجاراتنا المتواصلة.
عن أخي الذي كان يضايقني بأحاديثه المتواصلة، وأسئلته المتكررة، بقسوته الموحشة، افتقده الآن رغم الرعب الذي يتملكني ويسكن أعماقي كلما ذكرته، تتخبط ذاكرتي بين أشباح الذكرى وقسوة الواقع ومرارته”.
والدي اشتقت له كثيرا “لكني أتساءل كيف له أن يرميني بلا رحمة وأن يقدمني قربانا لهاوية الزمن بلا تردد، كل شيء حولي مضطرب وكأنني أعيش في دوامة لا نهاية لها ولا بداية.
اهرب من هامش التاريخ وقسوة العمر، اتلمس ذاتي وأحاول أن أشعر بوجودي، أنني أتماهى كذرات الغبار المتطايرة، كجزيئات الرياح شديدة الصغر، أغفو وأنام على واقع وحيد ” أنني أصبحت زوجة لرجل يكبرني كثيرا”، (يقترب عمره من عمر والدي)، كان يبتسم لي لتدور في رأسي آلاف الكلمات والآهات.
كم تمنيت لو أنه فقط يعيدني إلى أمي، أن يخبئني في حضنها ويذهب، تمنيت كثيرا لو كان هذا حلماً أو كابوساً مزعجاً وانتظرت بلهفة أن أستيقظ منه دون جدوى، كلما مرت الأيام أخذت مني الكثير، بعثرت أحلامي وها أنا أجد نفسي أقف وحدي لا يرافقني سوى ظلي، هل يتوجب علي الآن أن أقف بالمنتصف كعجوز تتكئ على الخيبة وحدها.