من تونس الخضراء إلى نبض الوطن الكبير محافظة إب،،
سلسلة مقالات حول زيارة « إب7برس » للجمهورية التونسية ” 2 – 5 “
تهويمات على ضفاف تونس
نشوان النظاري | رأي
محطتنا القادمة عقب يومين، التوجه لحضور منتدى الصحافة الدولي بالجمهورية التونسية، والتحليق في عوالم جديدة وكسر ملل سنوات الحرب والحصار والدمار والضياع.
توجهنا إلى مطار عدن الدولي، بعد مكوثنا قرابة يومين في فندق ” اللوتس ” بمدينة عدن، ولا أدري ما دلالات ذلك الاسم سوى عبر حديث مقتضب دار بيني واحد موظفي الخدمات بالفندق ذو الأصول الأفريقية والذي أكد بثقة عمياء ومطلقة بأنه يعني ” التاج “، رددت عليه حينها بلكنة إنجليزية تميل لتلك اللهجة الأبية المشبعة بالغرائب ” كراون” يعني، لكنني بالطبع لم أشعر حيال هذا التعريف بالمواءمة لا سيما والشاب الوسيم الذي يقف في الاستقبال لا يتحلى بأي نوع من الكياسة أو اللباقة، ناهيك عن تنمره لنزلاء الفندق بشكل فج ومقرف حتى ظننته ابن صاحب ذلك الفندق.
في مطار عدن الدولي، كن حذراً ويقظا، إذ ثمة من يحاول وبكل طاقته إلصاق التهمة بك من أجل ابتزازك قبل إقلاع الطائرة بلحظات، فتكون مضطرا للرضوخ وبلا مساومات لتقديم كافة التنازلات، وكان من نصيب فريقنا أن وجهت له تهمة الخروج لتجنيد الشباب لصالح حكومة صنعاء وهذا ما يثير الشفقة والسخرية والحسرة، لكن أحدنا كان يقظا أكثر مني واطفأ غليان موظف المطار بمبلغ جعل ذلك الموظف يلحق بنا إلى داخل الطائرة ويقدم الاعتذار والابتسامة تكاد تتقافز من محياه الدبق.
على طائرة اليمنية، الطيران الأكثر بؤسا في المنطقة، ينخفض مستوى تقديم خدمات النقل، ناهيك عن ركود مدقع يشهده مطار عدن، إذ تبدو الطائرة التي اقلتنا هي الوحيدة، أو تساندها أخرى، وهما اللتان تتكفلا بنقل الملايين من اليمنيين إلى خارج الوطن، فيما اثنتان تقفان في بهو المطار تنتظران الفرج، وأخرى كانت تقف بشموخ من جار عليه الزمن في مطار القاهرة.
الأمر كذلك يكشف حجم المؤامرة على هذا الوطن، ومقدار الدمار الذي لحق بكافة المشاريع التنموية، ويؤكد بشكل جلي الأهداف التي سعت إليه القوى الخارجية في خلق بلد فاشل بلا أدنى مقومات، موارده وقراره متاح وتحت الطلب، وذلك انتقاماً للحالة المزرية التي وصلت إليه تلك الدول أو الكنتونات التابعة لعواصم عالمية، بل تعد الأمر إلى ما يشبه الشذوذ الوجودي.
بعد الإقلاع واندفاع الطائرة إلى عمق السماء، رمقت الأفق بنظرة وكأني أحاول جاهدا من خلالها ملئ عيني بوجه إب البهي، حقل الوطن الاخضر وسنبلة المحبة والسلام وايقونة التعايش والمدنية، تذكرتها وكأنني كنت يوما حارسا على أبوابها المشرعة بالدفيء والأشواق والاغاني المرصعة بنبيذ شلال المشنة الساحر، بيد أني ذكرت أن للمدينة الساحرة حد الدهشة حارسان يقفان عند مفترق الطريق، أحدهما فارس الحرف وسائس الكلمات وصوتها الجهوي الفولاذي الصلب، أديب إب الكبير احمد طارش خرصان، القلم الذي لا يُجارى ولا ينكسر، النبض الذي يخفق على الدوام بهمسات الأزقة العتيقة الضاربة الجذور، محلقا فوق الروابي الآسرة، يتحسس الوجع قاذفا بكل جسارة حمم الحروف الملتهبة في وجه الضيم والفساد.
والآخر راهب المدينة وكاهنها العظيم عبدالله الكامل، لكلماته إيحاءات ومديات وانبجاسات وصدى، لهمس حرفه إعصار كوكب وهدير مجرة ومكر عالم بأسره، وبينهما يقف زملاء الحرف كتيبة طويلة من الأحرار والمثقفين يدورون في فلك مدينة الله كنجوم براقة في سماء شديدة السواد والعتمة.
غدا نلتقي
مصر – مساء الـ 15/ 3 /2022م