من تونس الخضراء إلى نبض الوطن الكبير محافظة إب،،
سلسلة مقالات حول زيارة « إب7برس » للجمهورية التونسية ” 1 – 5 “
العبور المؤقت
نشوان النظاري | رأي
ثمة محاولة للعبور الهادئ المتزن واليقظ، وبلوغ الضفة الأخرى، وتجاوز النهر الآسن، ومغادرة الركود الذاتي والوطني إلى فضاءات وآفاق تبدو أكثر اتساعا وأملا.
من هنا كانت الخطوات الأولى، من شارع بغداد المحشو بالليل والصمت والخفوت عبرت قدماي صوب مجازفة مفروشة بالمخاطر وطريق مظلمة مليئة بالتكهنات والتوجس والنقاط المزاجية المخيفة.
اقلتنا ” البرادو ” في الهزيع الاخير من الليل ومضت بكل جموح تلتهم المسافات وتسابق الزمن حتى داهمنا الفجر في أقاصي حيفان بمحافظة تعز، بعدها ولجنا متاهة السائلة الرابطة بين ما بات يُعرف بمناطق الشمال والجنوب، وهناك في تلك المتاهة ضاع الليل وغاب أثره، وانبلج الصبح من بين الجبال الصخرية الشامخة، لكن فجر الوطن بقى مفجوعا مشتتا بلا صبحا أو ضوء.
في تلك السائلة الضيقة لا أدري ما الذي دفع تفكيري للوقف والتأمل حول ما كتبه يوما الزميل محمد مزاحم، شفاه الله، عن عدم تأثره مؤخرا بأغاني الزفة وهي التي ما برحت تلهب قلبه وتهيج مخبوءات قلبه لوقت قريب، لكنها أزمة منتصف العمر من تحاول بكل صلف جرجرة جيل الصحافة العتيد بمدينة إب، قسرا، إلى دكة الاحتياط أو الإحالة المبكرة على المعاش.
هذا الأمر يتنافى كليا مع مضيفة طيران اليمنية التي تجاوزت منتصف العمر وعبرت الخمسين وما تزال ابنت عدن بكامل البهاء والشباب والنشاط الحسي والجسدي وكأنها تستدعي ما تبقى في دواخل صحفيي محافظة إب للعودة العاجلة للحياة بشكل أكثر إيجابية وتفاؤل.
اخال الاصدقاء في هذي الأثناء بمدينة إب تحت تأثير خدر القات يمارسون غواية التسكع على صفحات الفيس بوك، و” الحشوش” عبر سماعات الهواتف الذكية في مساءات إب المتثائبة، وليلها المقتضب والمنزوع من الانسجام الروحي، إذ ليس فيه سوى الفراغ ونباح الكلاب وبعض المارة الحيارى، ومجانين يلتحفون العراء والعدمية، ويُتهمون وبشكل فج ومن ذاكٍ حد التبلد بالعمل لدى الأجهزة الأمنية فيما هم ضحايا وضع مجتمعي صارخ وتجاهل حكومي متوارث.
إنه مشهد ممل وباعث للسأم، إذ يتكئ الصديق عبدالله كرش على متكأ اسفنجيا غريبا مدورا وليس مستطيلا كالمعتاد، منذ بدايات السواد وحتى الضجر، في شقته وسط مدينة إب، وكعادته كلما التهم الليل الساعات تبدأ احدى يديه بالاستحواذ على الهاتف المحمول وكأنه كان مفقودا مذ زمن، فيما الآخرى تقوم بمهمة رتيبة لكنها عادة يومية قهرية لا مفر منها، حيث ينتزع عود خشبي متناهي الصغر، ويقوم بمداعبة أسنانه الشبيهة بقرية وقعت تحت قصف ليل فظيع، ويستمر في فعل ذلك حتى لا تعلم متى ينتهي، إذ ينسى حتى الليل ذلك الأمر.
الدعوة للمشاركة في المنتدى الدولي للصحافة بدولة تونس لا يمكن أن ترفض أو أن تُدرج في قائمة التفكير، إذ يعد الحصول على تلك الفرصة الثمينة مكسبا مهنيا ومساحة لاكتشاف حيوات جدية ومحطة مهمة لاكتساب المعارف الإعلامية على يد خبراء وعلماء الاعلام في الوطن العربي.
الجواز الصعب واللقاح والروابط والسفر المكلف والمتكدس بالتوجس من الجميع كارثة حقيقية، فلم نعد نعلم مع من نحن بالضبط أو في صف من نقف، كل ما يهمنا كيف يمكننا قضم هذا اليوم بلا استفزازات شخصية مباشرة، والعبور إلى حيث ينبغي أن نكون.
في فندق اللوتس بحاضرة الوطن ودرة البحر العربي مدينة عدن، هذى الأنثى التي لا تشيب مهما تقادم الزمن، كان مقامنا الأول، حيث نزلنا في إحدى أجنحة الفندق المطل على ساحل ابين حيث تعزف أمواج البحر موسيقى البحر وألحان المساءات الدافئة بشجن من ذلك النوع الناعم والمقاوم للتسلخات الوطنية والانزياحات العابرة.
في الطريق إلى تونس الخضراء، حاضرة الحرية، وعاصمة الإعلام والتحولات الهائجة، ثمة حكايا للوطن الذي تعرض لمؤامرة فادحة مزقت تربته الوطنية وقضت على نسيجه الاجتماعي ومنحت الاوغاد والأعداء والأشقاء فرصة ثمينة للعبث بتاريخ هذا الكيان الجامع والحاضن لكل تطلعات وآمال أبناء الوطن الواحد.
غدا نلتقي ..
عدن – مساء الـ13/ 3 /2022م