موته جعلني أكتم أكثر ما فعله بي
إب7برس Ibb7press
بغداد المرادي
على مقربة من طاولة كنت اقعد عليها وبعض الصديقات في مكان عام، ننظر في باحة ذلك المكان، وتلك المناظر الجميلة من حولنا، وبينما كانت إحدى الصديقات تتطلع على شاشة هاتفها غير مبالية بشيء، استرقنا النظر لمكان آخر في الجوار.
كان المشهد لفتاة في مقتبل العمر، كانت تتصرف على نحو غريب، تتحدث مع نفسها وتقوم بعمل إشارات عجيبة لم نفهمها، سوى أننا خِلناها “مجنونة، ومضطربة عقليا.
ظلت أعيننا ترقب تلك الفتاة إلى أن اقتربت منا رويدا رويدا، رأتنا ننظر لها باستغراب عجيب، فشزرتنا بنظراتها المحيرة، قلنا لها تفضلي بالجلوس معنا، من باب أننا نود فهم تلك النظرات التي نظرت إلينا ولم نكن نعلم أنها أصبحت بتلك الحالة النفسية منذ أعوام جراء صدمة نفسية، إذ جلست وهي بكامل وعيها وصحتها ولا يلحظ عليها سوى وجع ممتد إلى أعماق الذات.
عندما شرعت بشرح مأساتها أدركت أن لهذه الأنثى المغلوبة على أمرها قصة موجعة، وعندها طلبت منها أن التقيها بشكل مناسب، واقنعتها بضرورة أن تسرد قصتها للمجتمع، حتى يعي ويستوعب ما يجنيه جراء إطلاق أحكامه الجزافية على الطرف الأضعف.
زرت سهى” اسم مستعار ” في منزل إحدى قريباتها والتي أعرفها جيداً، وتحججت أني اعرفها منذ زمن بعيد، وأنها صديقتي من الدراسة الأساسية، وهناك كان الظرف ملائم للاستماع لها، إذ لا أحد يكترث لها أو لضيوفها.
تبدأ ” سهى” في سرد وقائع مأساتها” كنا أسرة واعية ومثقفة، وكلنا متعلمون، أنا درست حتى الصف التاسع، آخر المرحلة الاساسية، وأخي هو أكبر مني سنا بأربعة أعوام، كان قد أنهى دراسته الثانوية وخلال تلك الفترة رافق أصدقاء السوء الذين عملوا على انحرافه بشتى الطرق والوسائل، حتى تحول إلا واحد منهم “.
وتواصل حكايتها، ” تحول أخي إلى شخص أخر، فقد كان يشرب الخمر ويتعاطى الحبوب المخدرة، ومدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية، وعاطل عن العمل تماماً، إلا ما قد يحصل عليه من رفقاء السوء، والأدهى والأمر من كل ذلك، محاولته اغتصابي في إحدى الأيام، حيث كان أبي وأمي وبقية إخوتي في القرية لزيارة جدتي المريضة، وقد انتهزها فرصة ليطبق كل ما يشاهده من تلك الأفلام الإباحية على هاتفه المحمول، لكني استطعت الإفلات منه بصعوبة بالغة، وخفت كثيرا حتى شعرت بتجلط الدم في عروقي”.
تروي ما حدث عقب ذلك والعرق يتصبب من وجهها الاسمر الشاحب، والدموع تتقافز من عينيها بشكل موجع” صرت اخافه أكثر من أي شخص غريب في الحياة، لما تجرأ على فعله معي في ذلك اليوم، لم ألقى الراحة بعدها، أبداً، حاولت التحدث مع أمي، لكنها لم تصغ اليّ، كنت كلما اود الحديث معها تنشغل بشي آخر، أخبرت إحدى الصديقات، لم تعطني أية حل أو حلول لهذه المشكلة سوى أن قالت أخبري امك، أو إحدى أخواتك بالأمر، فهذا أمر خطير جداً، ولا تسكتي عنه فقد يتطور إلى أبعد من ذلك “.
سارت الأمور بشكل طبيعي قرابة الشهرين، وأهلي إلى جواري، وأنا ادرس ولم يذهب عن بالي ذلك اليوم وتلك الليلة التي حاول فيها أخي أن يغتصبني.
وتضيف، وفي أحد الأيام وبينما كنت عائدة من المدرسة، في ذلك الوقت طرقت الباب، ففتح لي أخي نفسه، وبخوف شديد سألته “أين أمي والبقية”، أجاب، بالقرية فجدتي توفيت قبل ساعات، عندها لم أحزن ولم أخف من ذلك الخبر المحزن بقدر خوفي وقلقي من أخي ومكوثه معي، دخلت الغرفة وأغلقت الباب بإحكام من الداخل حتى أأمن على نفسي منه في تلك الفترة.
وتتابع “سهى”، وفي الليل خرجت الحمام لقضاء الحاجة، ولم أسمع أية حركة أو همس أو مما يدعو للشك أن أخي غير ماكث في غرفته، وحال عودتي لغرفتي بسرعة فائقة، إذ بي أجده أمامي، فلم ينم، وظل يرقبني حتى حانت الفرصة، دخل خلسة دون أن أشعر بذلك، مصمماً على ما كان ينوي القيام به من قبل، صرخت بأعلى صوتي عل أحدا يسمع صراخي لينقذني من أخي، أو علني أفلت من بين يديه التي باشرني بها حتى أغمي علي من شدة الصراخ فلم أفق إلا وأنا مضرجة بدمي ولم أعلم بشيء، بينما هو فر هارباً إلى أحد المحافظات بحجة العمل لتوفير مصاريف الدراسة الجامعية له.
“قمت من تلك الكارثة التي حلت عليّ، ولم أستطع فعل شيء، وقد خسرت كل ما لدي في تلك اللحظة، ماذا عساي أفعل، أين أذهب، ماذا أعمل، كيف أخبر أهلي بذلك، لم أجد جوابا لأسالتي..”
وتستكمل حديثها:” عاد أهلي بعد عشرة أيام من القرية بعد وفاة جدتي المريضة، احترت ما بين أن أخبر أمي وما بين أن أسكت حتى لا أكون ضحية لاتهامهم لي بالكذب وتلفيق التهمة لي، دون أن يروا أن أخي هو من قام بذلك العمل، كنت أعلم وكما هي عادتهم لن يصدقوا سواه، وربما ستكون حياتي هي الثمن”.
تقدم لي الكثير من العرسان لطلب يدي من أبي، فوافق والدي على الفور بأحدهم دون أن يأخذ رأيي الشخصي، لثقته أنني لن أرفض حسب اتفاق مسبق بيننا إذا تقدم لي احدا ووالدي يرغب به ويعلم عنه ووفقا لما أود فإني موافقة دون أن يعود إلى لثقتي بأن أبي هو من يختار لي الافضل.
تعرضت سهى لأشد أنواع الظلم والقهر وها هي تحمل جريمة كانت هي الضحية فيها، وحول تجربة الزواج المخيفة تحدثت” دارت في مخيلتي أفكار كثيرة وتساؤلات محيرة كيف سأتزوج وانا …..ماذا سيقول الناس عني …هل يعقل أن أتزوج وانا على هذه الحالة ماذا إن علموا ماذا ماذا ماذا …الخ حتى تمت مراسيم الزفاف دون أخبر أحداً بذلك فلم أستطع حتى بكلمة واحدة أن اتفوه لأي كان.
وفي ليلة الزفاف علم زوجي بأني لست عذراء فقد هتك عرضي واستباح دمي سندي، فكيف لي أن أخبره بذلك، سألني زوجي عن السبب ولم اجبه أبدا، كنت اذبح كل ليلة من الوريد إلى الوريد، ففي كل الحالات انا لست شريفة، والجميع سيتهمني بالكذب والبهتان، إذ لم يحدث لأحد ما حدث معي.
وتستمر في سرد بقية تفاصيل ما حدث معها، بعد أن صمت انا حيث وجدت نفسي محاصرة بكل هذا الكم من الألم والقهر ” انتاب زوجي وأهله الشك من ذلك، إذ لم أستطع تقديم أية مبررات لم حدث، وبين محاولة الضغط عليا ومحاولة معرفة الحقيقة، وبينما أنا اتحمل الكلمات القاسية والمعاناة الصعبة خوفا من العار مرتين، وصلني خبر وفاة أخي في إحدى المحافظات التي هرب إليها بعد ارتكابه لتلك الجريمة”.
صدمة والداي بهذين الخبرين المفزعين في صبيحة اليوم التالي من الزفاف، خبر وفاة اخي بحادث مروري أثناء عودته إلى البيت، وخبر عدم وجود ما يثبت أن ابنتهم لا تزال عزباء، صدمة عنيفة سببت لهما أمراض مزمنة ودخلا في عزلة عن المجتمع، لا سيما وبعد مرور شهر من الزوج اعادني زوجي إلى منزل والدي وطلقني، وعشت بعدها أياما تمنيت لو أن الله قد أماتني وكنت نسيا منسيا.
وتختتم حديثها الممزوج بالدموع والوجع ” شاءت الأقدار أن تكون هذه حالي وحالة كل من على شاكلتي ممن كان السكوت عن مواضيع كهذه هو قرارهن، نحن ندفع ثمن سمعة أسرنا ومستقبل عائلاتنا في ظل مجتمع لا يرحم”.
ذهلت لسماع قصتها، وما كانت تحمله بقلبها من غيض للأهل والاقرباء والصديقات، وكل من حولها من الناس، وما هي إلى برهة حتى ذهبت تجر حزنها الشديد وألمها الأبدي، وصراعها مع أهلها ونظرتهم الدونية لها على أنها فتاة غير صالحة للعيش معهم وبينهم لأنها لطخت سمعتهم وشرفهم، لكنها قررت من اليوم أن تخرج كل ما سنحت لها الفرصة لتتنفس الصعداء، وتحكي للنساء فقط عما يعانيه قلبها، علها تجد بتلك الفضفاضات راحة لروحها المتعبة.