كارثة صحية وبيئية تهدد مدينة إب

إب7برس Ibb7press
تحقيق: طاهر الزهيري _ نشوان النظاري

 

محافظة إب اليمنية، محافظة السلام والجمال والخضرة، تقع المحافظة جنوب العاصمة صنعاء، وتبعد عنها حوالي (193 كم )، وتشتهر بالخضرة طوال العام، حتى يطلق عليها الكثير باللواء الأخضر، والعاصمة السياحية للوطن.

 

إب صديقة المطر وفيروزة الزراعة، وأميرة الشلالات والجداول، وهي في مثل هذا الموسم من كل عام تكتسي بالثوب السندسي الأخضر، وتبتل بمياه المطر على مدار اليوم وأحيانا لا يفارقها المطر لأيام.

 

تعاني مدينة إب، عاصمة المحافظة، من مشكلة بيئية خطرة، حيث يتم إدخال منتجات زراعية محلية ملوثة جراء اعتماد مالكي المزارع في المحافظة على ري تلك المنتجات بمياه الصرف الصحي، وغالبا ما تتركز هذه الظاهرة على أطراف مدينة إب وبالتحديد في الحوض المائي، وبصفة رئيسية في وادي ميتم الشهير وهو الذي بات يغطي أغلب احتياج المحافظة من الخضار

 

ولعل من أهم أسباب اعتماد وادي ميتم على الري بواسطة مياه الصرف الصحي موقعه الجغرافي، حيث يعد امتداد لمحطة معالجة الصرف الصحي التابع لمدينة إب، ومنه تتدفق المياه بواسطة أنابيب عملاقة مدفونة في باطن الأرض، بمسافة محدودة داخل الوادي، ومرتبطة بأغطية علوية تسمى ” غرف تفتيش “.

إب7  pressقامت بنزول ميداني إلى وادي ميتم عدة مرات، طوال الفترة الماضية، وقد ظهر جليا النسبة الاستهلاكية للمياه في تلك المنطقة، فقبل موسم الأمطار يعتمد أغلب المزارعين على الري بواسطة مياه الصرف الصحي الملوثة بشكل كامل، فيما يقل بشكل كبير ولافت في موسم الأمطار.

الري بمياه الصرف الصحي ” المجاري

يقوم المزارعون في وادي ميتم بسقي وديانهم ومزروعاتهم بمياه الصرف الصحي عبر غرف التفتيش الموجودة قرب الوديان وفي الوديان نفسها ويفتحونها رغم تحذير مؤسسة مياه الصرف الصحي بمنع فتح أي غرفة تفتيش حسب تصريحهم لنا مسبقاً، ومن ثم يقومون بسحب مياه الصرف إلى مزارعهم عبر آلات ” مواطير ” تعمل بالبترول أو الديزل

 

كانت تخرج وبشكل مستمر حملات أمنية للمنطقة وتقوم بمداهمة المزارع ومنع الجميع من الري بتلك الطريقة وتفرض غرامات وسجن، لكن الظاهرة مستمرة، وسط تراجع تلك الحملات الأمنية وتحولها إلى حملات موسمية.

 

المزارعون في وادي ميتم

قابلنا في إحدى المزارع في وادي ميتم أحد المزارعين والذي انفجر غضبا في وجهنا فور علمه بمهمتنا في المنطقة، حيث قال بنبرة حادة “أبو محمد (40 عام)” : ” لنا أكثر من عشر سنوات وبعضهم عشرين سنة ونحن نزرع ونسقي بهذه المياه، ونأكل مما نزرع، ونبيع ونوزع، ولا في شي ولا في أي خطر مثلما تروجوا خاصة أنتم الإعلاميين“.

ويضيف أبو محمد ” مو نفعل مو الحل البديل واحنا نعمله؟، الدولة تدي لنا مياه صافية وأنحنا نسقي بها، أما أننا اروح أشتري ماء ووايتات واخسر مبالغ أكبر من الي اكسبها في المحاصيل متسحيل، وإذا خايفين على الناس والي يأكلوا مزروعاتنا أبصروا لنا حلول، وإذا هي مثلما تروجوا وتقولوا تسبب امراض وسرطانات عليكم بتوفير الماء لنا أو البدائل“.

لم يكمل أبو محمد حديثه حتى تحلق حولنا بعض المزارعين، أفسحنا المجال للمزارع صادق عبده، والذي كان أكثر الحاضرين تهيجا حيث صرخ ” أشغلتمونا معابش معاكم مشكلة إلا احنا وارضنا ومزروعاتنا وكلما تنزولوا لميتم وتصوروا وتنشروا يجو يشلونا ويأخذوا مننا فلوس ويفكوا لنا لان السلطة المحلية مابش معاها حل آخر، وأحنا مستعدين نتعاون في كل شي أهمشي شي ما يضر بنا ولا بمصالحنا وأرضنا“.

هل باعة المنتجات الزراعية يأكلون من إنتاج وادي ميتم

عدنا إلى عمق مدينة إب في رحلة استغرقت ما يقرب ساعتين، وسط زحام شديد، ذهبنا نحو سوق الخضار والفواكه، والتقينا بعض الباعة والتجار وسألناهم عن منتجات وادي ميتم ورأيهم بها، ومعرفتهم من عدمها بمصدر ري منتجات المحاصيل الزراعية هناك.

نجيب صلاح ” بائع خضروات في السوق المركزي بإب، يقول : نحن أحيانا ً نشتري من منتجات وادي ميتم مثل البطاط والبسباس والملفوف ” الكوبش ”  وغيرها من الخضروات، ولكن هناك فرق بينها وبين مزروعات المناطق الأخرى من حيث الطعم والرائحة، والشكل أحياناً “.

 

ويؤكد ” نجيب ” نحن الباعة لا نأخذ لمنازلنا منتجات ميتم ولا نأكل منها، لعلمنا بأنها تسقى من مياه المجاري، وحتى بعض الزبائن يسألون أحيانا قبل الشراء عن الخضروات من أين؟ وعندما يعرفون أنها من ميتم يرفضون شرائها“.

في الجوار أحد تجار الخضرة كان يبحث عما ينقصه، سألناه وكان رده واضحا، حيث قال : ” أنا اشوف الرخيص وأشتري لا أسال إلا عن سعر الخضار أو الفواكه، أما عن مصدرها ومكان زراعتها وكيف تروى وغيره، لا أفكر فيه“.

 

فيما تاجر أخر تحدث إلينا قائلا : ” سمعنا كثيرا على وادي ميتم وأنهم يسقون الأرض بمجاري وبأنها تسبب سرطانات وفشل كلوي وأمراض أخرى، وللأمانة في فترة من الفترات أصبحنا نسأل عن مصدر المنتجات ونخاف نأكل من منتجات وادي ميتم، ولكن حالياً وخاصة مع موسم الامطار لا نسأل ولا شي ونشتري من الحاصل وقلدهم الله “.

 

إمراه شاهدناها تشتري وتتفحص وتسأل وعندما سألناها قالت لنا: ” أغلبهم غشاشين، قدهم بيغشونا الباعة عادحنا ناقصين يغشونا المزارعين، أنا في البيت بطلت أأكل أسرتي السلطة من سب الكوبش الي يزرعوه بين المجاري، والبطاط بين أتأكد من اينها قبلما اشتري والطماط، جعلوني أزرع في بيتي البسباس والبقدونس والكبزرة والنعنع، وربي يخارجنا من الي يمرضنا في أكلنا وشربنا، والمفروض يوجد رقابة على كل المحاصيل“.

 

 السلطة المحلية ودورها المحوري

عبدالرحمن الزكري
العميد عبدالرحمن الزكري وكيل المحافظة

يتحدث وكيل المحافظة العميد عبدالرحمن الزكري لـ ” إب7 press ” قائلا:” السلطة المحلية لم تتغاض أو تتساهل حيال ما يقوم به بعض المزارعين من الري بتلك الطريقة الضارة، ولكن ذلك حدث قبل أشهر، وقد قامت السلطة المحلية بالتنسيق مع مؤسسة المياه بإرسال حملة وأوقفت كل من ثبت تورطه بالقيام بأعمال كهذه“.

وأشار وكيل المحافظة إلى أن تلك الممارسات لن تتكرر.. مضيفا ” ونحن سنكون بالمرصاد لكل من يحاول الاستهتار بصحة المواطنين، ومكتبنا مفتوح لأي بلاغ، وسوف نبدي تعاون كبير لكل ما هو في صالح المواطن“. 

 

 

 الأثر الصحي على المنتجات المروية بمياه الصرف الصحي

يؤكد الإعلامي المتخصص في مجال الصحة، رئيس تحرير مجلة المنار الطبية الورقية الدكتور عبدالله كرش ” أن آلاف من الناس يتعرضون لمخاطر صحية هائلة نتيجة ري المحاصيل الزراعية بمياه الصرف الصحي، حيث تعد مياه الصرف الصحي مصدرا للتلوث الجرثومي والكيميائي، وأنها في حال استخدمت لري المزروعات فإن محاصيلها تصبح ملوثة ومصدرا لنقل أمراض سارية عديدة مهما تعرضت للحرارة والطهي.

 

ويوضح ” كرش ” أن تلك المياه تسبب العدوى بالعديد من الفيروسات الخطيرة منها، الفيروسات الكبدية،  وأهمها فيروس c الناتج عن البلهاريسيا التي تأخذ دورتها في الجسد البشري حتى تصل الي تآكل الكبد ناهيك عن الفشل الكلوي.

 

ويكمل، كما تسبب العدوى بالعديد من أنواع البكتريا والطفيليات المتسببة في الالتهاب المعوي الحاد المصحوب بإسهال دموي وجفاف وحمى وفقدان للوزن وآلام معوية حادة وغالباً تسبب الوفاة خاصة في الأطفال ومنها: السالمونيلا، الكوليرا، التيفود، الدوسنتاريا بكافة أنواعه، البكتريا القولونية“.

 

من جهته، يرى أحد أقدم المهندسين في المحافظة أن على مؤسسة المياه إيجاد بدائل وحلول لهذه المشكلة، وبتعاون السلطة المحلية، أما المزارعين فعليهم التعاون ومحاولة الاكتفاء بالزراعة أثناء موسم الأمطار، وفي غير الموسم محاولة إيجاد حلول أخرى للري ويتعاونون فيما بينهم لإيجاد ذلك

 

وفي حديث علمي دقيق لأكاديمي مختص في جامعة إب تحدث الدكتور عبده الحدي متخصص في علم المناخ والمحاصيل الزراعية، في نقاش بمؤسسة مبادرون التنموية ضمن خطة عمل إستراتيجية في إطار مشروع التخلص من هذه المشكلة، قائلا ” توجد ضمن مكونات الصرف الصحي بعض مخلفات المستشفيات، وهي تحتوي على عناصر ثقيلة يستخدمونها في المستشفيات لأغراض طبية، وعندما تصل للصرف الصحي قد تسبب سمية للنبات والحيوان والإنسان“.

 

وأشار الدكتور الحدي إلى تكون غازات سامة ناجمة عن تفاعل تلك المخلفات الصحية .. مبينا أنه قد حدث ومات 5 أشخاص، ماتوا من الغازات المنبعثة من غرفة التفتيش التي تنبعث منها غازات الميثان أو غيرها من الغازات السامة، لانه عندما يستنشق الإنسان غازات سامة أكثر من اللازم يصاب بالإغماء وقد يبقى على غرفة التفيش وما يقدر يتحرك أو يهرب، ولذلك ننصح عدم ري المزروعات بمياه الصرف الصحي

 

ويضيف ” الحدي ” : “أخذنا عينات وتم الفحص وقارنها بالفحوصات التابعة للمؤسسة نفسها وكانت شبيه من المستوى وكان في ثمانية عناصر بعضها تجاوزت وبعضها قارب الحد المسموح به للاستخدام ، لذلك لا يجب أن نستخدم هذه المياه للري إلا بعد المعالجة حتى لا تسبب مشاكل صحية للإنسان والحيوان“.

 

وعلى نفس السياق يتحدث إلينا أحد الدكاترة العاملين في مستشفى رافضاً ذكر أسمه في التحقيق ،: ” المخلفات أثرها على الصحة كبير جداً، والغذاء الذي يروى بمياه الصرف الصحي الناتج عن المخلفات لابد أن له أثر كبير على صحة الإنسان، وكثير من الأمراض لا تظهر على المدى القريب وإنما على المدى البعيد كالسرطان

 

 

 

 

دور مؤسسة المياه والصرف الصحي بالمحافظة

وفي تصريح خاص لـ ” إب7 press ” على هامش القاء التشاوري التي نظمته منظمة اليونبس صباح الأربعاء 11 اغسطس 2021م، أعترف مدير عام مؤسسة المياه والصرف الصحي بالمحافظة المهندس سليم البحم بالأخطار البيئية المهولة التي تسببها تلك الظاهرة، لكنه عزا ذلك لشحة إمكانات وعجز المؤسسة عن توفير أغطية محكمة .. داعيا منظمة اليونبس بتوفير الدعم للقضاء على الظاهرة من خلال احكام ومعالجة.

 

ولفت المهندس البحم إلا أن إشكالية الصرف الصحي في مدينة إب معقدة وتحتاج لدعم دولي، حيث يشير إلى أن القدرة الاستيعابية لمحطة المعالجة 5 كم مكعب عند الإنشاء، قبل أكثر من عقدين من الزمن، وخلال السنوات الماضية توسع النطاق البشري وازداد عدد السكان جراء النزوح بحيث يصل للمحطة ما يزيد عن 20 كم مكعب بالرغم من إستخدام ثلث السكان الممرات المائية ” السوائل” كأماكن لتصريف مياه الصرف الصحي.

 

حاولت مؤسسة المياه طوال الفترات الماضية إيجاد حلول وبدائل للمزارعين في وادي ميتم حتى يكفوا عن الري بالمياه الملوثة، حيث نظمت المؤسسة ورشة عمل خاصة بالاستفادة من الطاقة الشمسية لتشغيل عدد عشرة آبار في حقل وادي ميتم.

وهدفت تلك الورشة التي أقيمت في وبمشاركة (150) من العاملين في قطاع المياه والبيئة وجامعة إب والجهات ذات العلاقة والمجتمع، إلى تعزيز الوعي بأهمية استخدام الطاقة النظيفة والحد من الري بالمياه الملوثة.

 

 

اقتراحات وحلول

أحد العاملين في مجال المنظمات والتنمية، فضل عدم ذكر اسمه، قال: ” كانت هناك دراسات وحلول لوادي ميتم ولكنها مكلفة وتحتاج مانحين وتسهيلات من السلطة المحلية، ومن ضمن تلك المشاريع التي قدمت في هذا الجانب قبل أعوام مشروع لمؤسسة مبادرون ولكنه للأسف لم يرى النور حتى الآن جراء الحرب والصراع “.

 

ويقدم المهندس أدم عبدالله، مختص بالري والزراعة، جملة من الحلول التي يمكن أن تساهم في الحد من الظاهرة، حيث يرى أن استغلال مياه الأمطار هو مقدمة الحلول عن طريق الكرفانات، وقنوات الري، وإستكمال تنفيذ الحدائق وخزانات المياه في المكاتب والمؤسسات الحكومية، وإنشاء خزانات تجميعية، وإرسال فرق مراقبة بالتنسيق مع الجهات الأمنية والجهات ذات العلاقة، ومشاركة المجالس المحلية بتوعية المزارعين والعمل على منع المخالفين وإحالتهم للجهات المختصة.

فيما الباحث الجامعي حسان حسان يقول: ” يفترض أن نقرأ مقترحات بحثية قدمت في دول تجاوزت هذه المشكلة، ونبحث عن حلول تم تطبيقها في دول متقدمة ونحاول القيام بها في بلادنا أو على الأقل شيء ما مقارب أو مشابه حسب الإمكانيات ولا توجد مشكلة دون حل، فقط نحتاج الوقوف بصدق عند كل مشكلة ومواجهتها من جذورها بعد الاعتراف بها

 

ظاهرة ري المزروعات بمياه الصرف الصحي في وادي ميتم كارثة بيئية وصحية خطرة تهدد حياة الملايين من البشر داخل المحافظة وخارجها، وتراخي وتساهل بعض المؤسسات المعنية يجعلها في دائرة الاتهام والتواطؤ سواءً بقصد أو بدون قصد، والحملات الأمنية الموسمية يجب أن تتوقف، لأنها تشجع بعض المزارعين على التمادي، الأمر يحتاج لحلول جذرية، وكذلك لقانون يحدد عقوبة رادعة لكل من يقترف هذا الفعل الغاشم وحملات أمنية منظمة ورقابة دائمة لتطبيق ذلك القانون، وكذلك حملة إعلامية منظمة لتوعية المجتمع فالمسؤولية مشتركة والواجب الوطني يحتم على الجميع المساهمة بإيقاف هذا العبث وتلك التصرفات التي تؤثر على صحة وسلامة المواطن.

ري المزروعات بمياه الصرف الصحي في وادي ميتم