” بحرانة ” وعذاب الماء

إب7 press | عمران هلال

يعد الماء أساس الحياة، وعلى أسس تواجده تُقام الحضارات وتشيد الحياة الإنسانية في شتى مناحي العالم، وبشحته تموت الحياة وتتضاءل الحركة والحيوية للأحياء.

” بحرانة ” منطقة تابعة إداريا لعزلة السيف، مديرية ذي السفال، بمحافظة إب، كتب الشقاء على هذه الرقعة جراء ندرة المياه وصعوبة الحصول عليه.

  • الحلقة الأضعف

لأن النساء هن الحلقة الاوهن والأضعف في تقاليد الحياة اليمنية فأنها هنا في أقاصي الريف أشد ضعفا وأكثر تحملا لأعباء الحياة، ويزيد على ثقل كاهلها المحمل بالكثير افتقاد القرية لجنسها الأخر، وأعني هنا الذكور نظرا لتقاليد متوارثة تجبر كل من بلغ الـ 15 من العمر على الهجرة الداخلية أو الخارجية طلبا للرزق تاركين خلفهم حفنه من كهول وأطفال ونسوة كتبت عليهن الحياة أن يقمن اعوجاجها ويسبرن أغوارها ولو من شق أرواحهن و” نتفات ” أنفاسهن حد النهاية أو الرحمة بالموت.

  • رحلة عذاب

فكما كتبت شقاوة الحياة على كل من بلغ العاشرة من الذكور وما فوق على الهجرة والسفر طلبا للرزق، فقد كتبت كذلك على كل من بلغت العاشرة وما فوق أن تكون هي من تجلب الماء لبيتها في رحلة العذاب المستمر والمتوارث منذ الأزل وكل ذلك على رؤوسهن أو على بعض الحمير التي تتداول فيها القرية يوما بعد أخر.

حيث تستهلك يوميا كل فتاة للحصول على حصة بيتها الشحيحة من الماء والمقدرة بـ 40 لتر أو ما يقوله الأهالي هنا (دبتين ماء)، ما بين الساعة إلى الساعة والنصف نزولا من أعالي المنحدر ووصولا إلى خزان القرية أو ما يسميه الأهالي هنا (المعيين) أي عين الماء، وهو المصدر الوحيد لماء المنطقة صيفا أو خريفا فيما تستهلك أضعاف هذا الوقت للحصول على ذات الكمية وبذات الكيفية المضنكة والمتعبة.

  • مشقة متوارثة

للمنطقة خزان غير مكتمل يقع على مسافة قريبة ويمكن استكماله وتسطيحه وتغطيته ومد أنبوب ماء اليه وربطه بمضخة صغيرة إلى الخزان السابق الواقع أسفل الجبل، مما يخفف كل ذلك العناء وكل ذلك الجهد والوقت المهدور في رحلة العذاب المكتوبة على نسوة هذه القرية في جلب الماء.

” سعاده ” امرأة في الستين من عمرها، وهي إحدى نسوة القرية تتحدث عن هذه المشكلة قائلة فيما معناه أن هذه ثقافة متوارثة (مشقة الحصول على الماء)، ونحن مثل أمهاتنا وكذلك مثل بقية بلاد الله كلها مشقة وتعب وعذاب في الحصول على الماء.

” زهور ” فتاة في الحادية عشرة من عمرها تتحدث لي أن مهمة الماء عملها اليومي بعد أن تقاسمت مع أخواتها الثلاث إحداهن للراعي والأخرى لعمل البيت والثالثة بعد والدتي في الحول وتعني هنا (المزرعة).

 

وتواصل ” أبي وأخي في منطقة رداع يعملون هناك ولا يأتون إلا في العيد، وأخبرتني أنها أحيانا تضطر للغياب عن المدرسة لجلب الماء فوق الحمار أو نقلا فوق رأسها”.

 

” د . م ” ربة بيت، تزوجت إلى المنطقة مؤخرا تقول: إنها رغم حملها الجديد تجد نفسها مضطرة إلى النزول إلى أسفل الجبل وجلب الماء فوق رأسها كل يوم لمرة أو لمرتين يوميا فلا وجود لطفلة كبيرة تجلب الماء ولا زال أطفالها صغار.

وحين سألتها، لماذا تجلبين الماء وأنت حامل، ألا تخافين على حملك ؟!

ردت إنه قد حدث لها ذات يوم بأن سقطت مما أدى إلى (إسقاطها) أي إجهاض جنينها، بسبب الماء ولكن (ما أحد ينفع أحد) وبمعنى أن لم تجلب احتياجاها من الماء وحصتها يوميا فلن يساعدها أحد أو يأتي ملاك ليسقيها وهي في بيتها.

 

  • واقع مؤلم

تتداعى نسوة القرية لجلب الماء أطفالا ونساء في مشهد محزن ومقطع حياتي مؤلم للغاية، أطفالا في عمر الزهور ونسوة هذا الزمان تركن حياتهم وذهبت يقطعن المسافات، ويتحملن المشقات من أجل توفير أو جلب قليل من رشفات الحياة لاستمرار حياتهن اليومية المعتادة.

هذا الواقع المؤلم والانكسار الموجع في حياة الأنثى الريفية اليمنية يستوجب اعطاء النظرة وإعادة التفكير في الأولوية القصوى للأنثى من حيث الدعم وتخفيف كل تلك المشقة التي تدمع لها القلوب وتأسى لها الأرواح، والرحمة لنسوة بحرانه، والمغفرة لأقدار الحياة.