حكايا جدتي
(حزاوي) 3
قصص من الأدب الشعبي
إب7 press
أميمة راجح
أيام مضت وجدتي لا تخرج من غرفتها ولا تسمح لأحد أن يدخلها كعادتها بين فترة وأخرى.
واليوم طلب أبي مني محاولة كسر عزلة جدتي بأي طريقة ووعدني بمكافئة.
فككت جديلة شعري دون تفكير، وحملت المقص، واقتحمت الغرفة قائلة: لنقص هذا الشعر المزعج القبيح.
-واتبعت جملتي السخيفة بابتسامة بليدة تنم عن شعوري بالورطة-.
أمالت جدتي فمها بسخرية صامتة وأشارت بيدها سامحة لي بالاقتراب، تنهدت بعمق وقلت بفرح: موعد الحكاية.
ربتت على فخذها، فوضعت رأسي عليه أحلم بالمكافئة السخية الموعودة بها، وتلف قلبي اللهفة لسماع القصة الآن.
مضت دقائق ثم تحدثت جدتي بصوت بارد:
كانت بدور بنت جميلة جدا، سمراء كحيلة العينين، فارعة الطول عذبة الملامح، فاتنة الجسد، لكن جميع الخُطاب كانوا يتجاوزونها بحسرة، يأتونها الأمراء من كل بقاع الأرض يبغون وصالها يحلمون بلحظ عينيها وحين تظهر لهم دون حجاب يهربون!
قاطعت جدتي -بانفعال شديد-:
يهربون!
لكنها تابعت بالهدوء ذاته:
كانت بدور تعرف السبب تعرفه جيدا لكنها لا تستطيع ابطاله، وفي كل ليلة يهرب منها عريس كانت تبكي حتى تغرق وسادتها.
وذات نهار شديد الحرارة زارهم (المبشع) رجل عليه ثياب رثة ومتسخة، تلتف حول عنقه المسابح، ويرتدي في كل إصبع خاتمين، وفي أذنه اليمنى سبعة أقراط، عينيه حمراوين، وقدميه عليهما كتلة سميكة من الأوساخ، ويديه الكبيرتين متشققتين وقاسيتين، لفمه رائحة برميل القمامة، شديد القصر، أجعد الشعر أشعث، نحاسي البشرة، أحمر اللحية، أفطس.
جلس في حوشهم الواسع تحت شجار (الفركس) المحملة بالثمار طلب منهم الماء والزاد ثم صاح قائلا:
في الدار بنت شديدة الجمال، لكنها صلعاء لو تزوجتني ليلة واحدة سأمنحها ببركاتي شعرا طويلا حالك السواد شديد النعومة، وستتزوج بعدها ملكا عظيما له ألف ألف قصر.
قلت لجدتي:
ماذا يعني المبشع؟
وهل هي حقا صلعاء؟
تجاهلتني جدتي وتابعت:
غضب والد بدور غضبا شديدا، حمل (عطيفه) واتجه نحو المبشع يريد دمه، لكن المبشع ارتفع عن الأرض وكأنه يطير بلا أجنحة!، شيئا ما لا مرئي حمله عن الأرص وحماه
فهرعت أم بدور وهي تبكي وتقول: أكرمنا يا ولي الله،
أكرمنا وتزوج غدا ابنتنا الصلعاء،
وأعدها لنا بعد غد عذراء.
وحدث ما أراد وزينوا بدور بالمشاقر والشذاب، ودقت الطبول وذبحت الذبائح وزفت الفاتنة للمبشع البشع.
حين كشفت بدور عن وجهها الأسمر، ورأسها الأصلع بصق المبشع مرتين ثم تلا تعوذيتين وطلب من بدور احضار صندوق كبير مخبئ تحت سرير أبيها لتكتمل التعويذة، وذهبت بدور جذلى لتحضر الصندوق وعادت به فقال لها المبشع:
تذكري يابدور
“من فتش عن الكمال خسر نفسه تحت عجلة الطمع.”
لكن بدور المنتشية بلهفة الانتظار لشعر يحف وجهها المتورد، ويضرب خاصرتها الضامرة لم تهتم ومنحت المبشع البشع نفسها طامعة في بركاته، ونامت كرتاحة البال غارقة بضحكات المبشع غير البريئة.
عندما وصلت جدتي لهذا الحد كنت قد رفعت راسي بهدوء، وجلست أتذكر امتعاضي من قصري الشديد قبل اسبوعين وغضب جدتي، وتجاهلها لي منذ ذلك الحين.
ربتت جدتي على كتفي بحنان وتابعت:
فجرا استيقظت بدور فزغة من طرقات قوية على الباب، هرعت لتفتحه وتدوي صرخة أمها لتتعرى الحقيقة تماما وتظهر صلعة ابنتها كما هي، بينما اختفى المبشع حاملا كل ما يمتلكوه في الصندوق!
فكيف خدعهم؟ كيف حدث هذا؟!
دوخت الأسئلة رأس بدور فسقطت على صلعتها اللعنة التي رافقتها حتى الموت.
في الجوار التقى المبشع شابا يسكن كهفا مظلما، يحدث نفسه ويبكي ثم يضحك ويحدث الجدران، أخرج المبشع بيضته السحرية، بصق عليها وتلا تعاويذه، تلونت ثم ظهرت فيها صورة ذاك الشاب وهو يقول:
ارجوك يا عمي زوجني هيه، سأحبها كما لم يحبها أحد.
فيقال له:
بدور جميلة الجميلات لن تتزوج شابا فقيرا بشعا فارحل من هنا قبل أن أحطم رأسك الغبي هذا.
ردد الصدى ضحكت المبشع مختلطة ببكاء الشاب، ثم قول المبشع:
“من فتش عن الكمال خسر نفسه تحت عجلة الطمع.”
إلا أن أحدا لم يسمع!
وسكتت جدتي، بينما سرت القشعريرة في جسدي وقلت بصوت منخفض:
جدتي الغداء ينتظرنا،
ثم رفعت المقص وسحبت خصلة بيضاء من شعرها وقصصتها، وقلت بمشاكسة:
لنذهب للمبشع، أريد أن أعرف شكل زوجي المستقبلي، هههههها ههههها
وهربت لأبي أطالبه بما عليه فالوعد كالرعد والإيفاء كالمطر.
_____________________________________________________________
* المبشع رجل ساحر لديه بيضة وتعويذات يقرأ للناس مستقبلهم أو يحدثهم عن أشياء حدثت حولهم في الخفاء كأن يكشف لهم عن اللص الذي سرق دارهم أو أين أختفت أشياءهم.
* الفركس الخوخ ويطلق على الدراق أيضا.
*عطيفه العطيف أداة خاصة مصنوعة لتقطيع الخطب الفأس بالفصيح.